ناصر الظاهري
أهمية معرض أبوظبي الدولي للكتاب أنه أصبح عرساً ثقافياً تنتظره العاصمة من عام لعام، يصبغها بالحبر، ورائحة الورق، وما يحمله الناشرون والورّاقون من معارف في زِهابهم، معرض أبوظبي وربع قرن من الحضور والتألق، علّم أناساً كثيرين، وكبر مع أناس كثيرين، وطد علاقات، وحَمّل ذكريات مع الكثير.. الكثير، منهم من عاد إلى جهاتهم الأربع، ومنهم ما زال يتعكز على تلك المحبة، ويلقاه من عام لعام، وآخرون طويت صحفهم، وغابوا إلا من الرأس والذاكرة، وكلما ضمنا المعرض من جديد جاءت سيرهم، وحنّت علينا ذكراهم، وتراءت لنا صورهم، كطيوف بيضاء تتبع المعرفة، وتستظل بها، ولا تغيب عن المشهد أبداً، فقد كان المعرض بالنسبة لنا، ومنذ أيامه الأولى ملتقى للمعرفة، ومسرّة بأهلها، وفرحاً كأنه عائلي نتمنى أن لا ينتهي، وكم يكون اليوم الأخير حزيناً، حينما ينفضّ السامر، وتبقى «دور» النشر، خاوية على عروشها.
أهمية معرض الكتاب أنه اليوم أصبح علامة فارقة لأبوظبي، خاصة بعد توأمته مع معرض فرانكفورت للكتاب، وأصبح ذا صفة دولية، يتسابق الناشرون عليه، وتزداد أعدادهم من عام لعام، وتتنوع مصادرهم، ودولهم، وغدت الفعاليات الثقافية والفنية والمتخصصة المصاحبة جزءاً أساساً ومهماً لأيامه، وصارت الدول التي يستضيفها كضيف شرف دعوة للالتفات إلى ثقافات وحضارات الشعوب الأخرى، وخلق نوعاً من جسور التواصل بيننا، وهدم تلك العدائية للآخر البعيد، والغريب.
ذكرياتي الخاصة، هي عامة، فما زلت أذكر أصدقاء هذا المعرض من مقيمين، ومواطنين، وضيوف، أتذكر هامات من الشعر جاءت هنا، وألقت قصائدها، وأتذكر كتّاباً ونقّاداً وفنانين كانوا بيننا، وفعلوا شيئاً من الضجيج الجميل، ولم يغادروا، ما زال المعرض يذكّرني بالمجمع الثقافي، ذلك «المنزل الأول»، حيث شيء من الحنين، والفرح، وتلك المحبة التي كانت، ما زلت أذكر أول مرة أقيم في الخيام، وثاني مرة أفتتح، وثالث مرة أشارك فيه، ورابع مرة أوقع فيه كتاباً، وآخر مرة حيث اليوم أتمنى أن أشارك فيه بمعرض فوتوغرافي شخصي بعنوان «خلف ظلالهم البيضاء» أرصد فيه حركة الزمن على وجوه البشر، ومن كل بقاع الدنيا، متتبعاً تلك السحابة البيضاء المنسدلة على صدورهم، تلك اللحى الساكنة، والمساكنة الزمن!
ميزة معرض أبوظبي الدولي للكتاب أنه متحرك، ومتحرك للأجمل والأفضل، ودائماً ما يحملّنا من الفضل والإحسان وطعم المعرفة ما نشتهي، وما لا نستطيع، لمعرض أبوظبي للكتاب حيز هنا.. ومكان هنا، وذكريات هناك، له حضور حيثما وليت وجهي!