ناصر الظاهري
هناك جهات أو أشخاص لا تعرف كيف تشتكيهم؟ ولمن تشتكيهم؟ وما هي الجهة التي يمكن أن تكون مرجعاً؟ خاصة وأن الموضوع عام، ويهم الجميع، لكن «الطاسة» ضائعة، والمسؤولية غائبة، والضرر يتراكم، ويصل لعمقنا، وعمق موروثنا، ويمكن أن يشكل وعياً لجيلنا المقبل، ثمة يد للشيطان يستعملها البعض هنا، والبعض الآخر هناك، يخربون بها من حيث يعتقدون أنهم يصلحون، حتى بلغ الأمر حدّه، وتمادى «خونة النص»، وطالت أياديهم حد الخراب، وتثبيت الباطل، وتعميده، ومحو الأصل:
هناك تصحيحات في كتب التراث العربي والإسلامي، بحيث إن الأخطاء التي ظهرت للمفكرين الإسلاميين، ونقدوها لورودها في صحيح البخاري، وصحيح مسلم، يتعمد البعض اليوم من مخربين «أفراد، ودور نشر» بإلغاء تلك الأخطاء، ووضع البديل الصحيح الذي يعتقدون، وهو أمر لا يمكن أن يقبل، فهو اعتداء صريح على نص البخاري، ومسلم، وليس هناك من يدافع عنهما، ولا من يشكو المعتدين.
هناك أحداث تاريخية كتبت منذ زمنها أملتها فئة منتصرة، وتخص فئة مغلوبة، دونها مؤرخ في كتاب، فتقوم الفئة المغلوبة أو مناصروها اليوم، بتصحيح ما يعتقد أنه يمسهم، ويحط من قدرهم، فيعتدون على كتاب تاريخي، وكان بإمكانهم إصدار كتاب جديد يرد على المؤرخ القديم.
كتاب «ألف ليلة وليلة» يتم الاعتداء عليه بشكل سافر، وخاصة من الجماعات المتأسلمة، والتي تنشد المجتمع المثالي، والمدينة الفاضلة، فيغيرون ما فيه من قصص غرامية، ويلغون ما فيه من نكات فاضحة، وأشعار ماجنة، - وهذه أحكام أخلاقية - وهي متغيرة، وليست ثابتة من مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر، فيظهر كتاب «ألف ليلة وليلة» في طبعته الإسلاموية، وقد تغيرت الأحداث والشخوص، والأجواء، وألبس ثوب الصرامة، وكأنه كتاب للقراءة الرشيدة.
أمهات الكتب العربية القديمة، تجد لها طبعات منقحة، ومصححة، ومخربة، لأن هناك اعتداء على النص، وخيانة تغييره، وحذفه، ومحاولة تخفيف لهجته لأنها كانت عالية، وتنحاز للعقل، ولا ثمة رقابة تحد من سيل القلم، لكنه اليوم يرى من قبل عيون ضيقة، وعقول ميتة، إنها كتب محرضة، وخارجة عن النهج، والملة.
يفترض أن تكون لدينا جهة علمية وأدبية نحتكم إليها في حالة الاعتداء على الموروث العربي، والفكر الإسلامي القديم، ولا نتكل فقط على أفراد في هذه المهمة الدفاعية، فما يدرينا كيف سيصل كتاب «ألف ليلة وليلة» لأبناء الجيل الخامس في ظل هذا الوضع العربي المهين. وغداً نتابع خيانة أخرى للنص..