بقلم : ناصر الظاهري
من أكثر الكلمات التي كانت تضايقني منذ بروزها في وسائل الإعلام، وترديد الناس لها، مفردة الخصخصة التي تقشعر منها الأبدان، وتصر منها الأسنان، أما أختها العولمة فقد تعودنا عليها من كثرة ما لاكتها الألسن، ومن كثرة ما لونوها ورققوها.
كل مفهوم أو مصطلح جديد ووافد بحاجة إلى كتالوج، وبحاجة إلى دروس خصوصية فيه، وخاصة الخصخصة في شقها الاقتصادي والإداري الحديث، سواء كنا نعمل في القطاع العام أو القطاع الخاص.
إن مفهوم الخصخصة يهمنا في الإدارة الاقتصادية في كل منحى من حياتنا، لأنه مفهوم يقوم ببساطة على قاعدة من كل حسب طاقته وكفاءته وموقعه، ولكل حسب جهده وإنتاجه النوعي والكمي، وليس حسب حاجته كما كان يسير الاقتصاد الرأسمالي الاشتراكي، لأن الحاجة مفهوم فضفاض قابل للقياس والتقدير بموازين مختلفة لا تخلو من المحاباة وسوء استخدام القرار الوظيفي والصلاحيات الممنوحة.
لذا عندما يأتي قرار بخصخصة دائرة أو مؤسسة حكومية، ينظر إليه بعض الموظفين القلقين والنائمين في العسل باعتباره البعبع المقبل الذي سيأتيهم من حيث لم يحتسبوا، وسيحول المعادلة من دوام رتيب إلى دوام إنتاج، الأمر الذي يلزمهم أولاً بزيادة الإنتاج بأقل المصروفات، لأن هدف الخصخصة لا يتمثل في حرمان المواطن من المكاسب، بل فتح آفاق المستقبل أمام المؤسسات والدوائر في دخول العصرنة والتحديث، مع إيجاد التوازن المطلوب بين الإنتاج كواجب والمكاسب المادية والاجتماعية كحقوق.
والأهم من ذلك ونحن نتطلع إلى المستقبل المنشود أن يفهم منتسبو الدوائر والمؤسسات المعنية من شبابنا وكوادرنا المقبلين على الخدمة أن عليهم التفاعل مع هذا التوجه، وأن نخلق أمامهم فرص الاستفادة، ونقدم لهم دروساً خصوصية، متمثلة في الدورات وإعادة التأهيل، وفرص الاطلاع والتدريب، لنعمق المفهوم الجديد لديهم وفي نفوسهم، ولنطور حماستهم للفكرة واستعدادهم للمساهمة في إنجاحها.
إن مفهوم الخصخصة هو دعوة لسياسة جديدة تقوم على تعميق دور المواطنين في بناء المؤسسات الناجحة، غير المتثائبة، ومراقبتها واستثمار رؤوس الأموال بأفضل الطرق داخل الوطن، وتعميق الشعور بالمسؤولية الوطنية والوعي الاقتصادي والاجتماعي، وتعويد المواطن والمقيم على القيم العصرية في الترشيد الاستهلاكي والمبادرة الاستثمارية في المشروعات ذات الجدوى، الخاصة منها والعامة.. ورغم ذلك تبقى كلمة الخصخصة ثقيلة على اللسان والمعدة، و«مش دائماً تبشر بخير»، وهذا رأي واحد غير متخصص مثلي، ولكن حتى الخصخصة بحاجة إلى تقويم وتقييم، وإعادة نظر بعد تجربة أظنها تعدت عشر سنوات، وأتمناها أن لا تكون عجافاً!