خلقت لتحيا وتعلم الحياة

خلقت لتحيا.. وتعلم الحياة

خلقت لتحيا.. وتعلم الحياة

 صوت الإمارات -

خلقت لتحيا وتعلم الحياة

ناصر الظاهري

كان يمكن لمساء باريس ليلة السبت الحزين، والذي كان يشبه تماماً الخريف في أوله، بذلك النفاف المنهمر بخجل، وخشخشة الأوراق المصفَرّة التي تسحبها الريح الباردة، أن يكون مساء كما يليق بالمدينة، وزوّارها الكثر، وكما يحتفي الفرنسيون كعادتهم بمساءات آخر الأسبوع.

كان يمكن لذلك الشاب المسرحي، والموسيقي العجوز، وجابية التذاكر في القاعات الفنية، وبعد انتهاء عرضهم تلك الليلة أن يحتفوا بطعم النجاح مع من يحبون.

كان يمكن لفتيات ما زلن يحجلن نحو عتبة الجامعة الأولى، وعتبات الحياة الحلوة، أن يكملن مزاحهن، وصريخهن، ونشوة أن تحتضنك مدينة كباريس، تعلمك كل يوم شيئاً جديداً، وتمنحك ذلك الدفع الخفي الذي يوقظ الإبداع الكامن في النفس، ومعنى أن تعلن صداقتك على الكثيرين، وعلى الأمكنة، والأشياء الدافئة في المدينة.

كان يمكن لباعة الصحف أن يفتحوا حوانيتهم مبكرين قليلاً أو متكاسلين أيام السبت، ولا يعيرون التفاتة لغير تلك العناوين، كعادة كل صباح، لما استيقاظهم اليوم له حرقة في العيون؟

كان يمكن أن يظل الحي اللاتيني ساهراً كعادته حتى يشق الفجر، والأقدام لا تمل من التخطر، يلاقفك أصحاب المطاعم في تلك الأزقة الحجرية، يريدون أن يكسبوا مساءك، ويبقى ضجيج السياح، ودهشتهم بالمكان، وما علق به من روائح التاريخ، والعابرين.

كان يمكن للمدينة التي تتضاد فيها الأشياء لتكتمل حُسناً، أن تظل ليلتها هادئة، تصطخب بما فيها، وبمن فيها، من طُهر، ومن نجاسة، ومن رفيف أجنحة ملائكة تحرس الطيبين، وعربات الغواية، وفعل الشياطين، غير أنها باريس.. تعيش متناقضاتها.

كان يمكن أن لا يجفلوا عين المدينة، ويجعلوها ساكتة، ساترة، فكم من متشرد ألقت عليه بُرنصها، وكم من المطاردين ضمته في قبوها، وكم من الفنانين والأدباء عضدت قلمه، وطارت بريشته، فلا يحضر، إلا ليقبل هذه المدينة، ويرفع قبعته لسيدة الحضور.

كان يمكن أن لا ينكسر إيقاع المدينة التي لا يختلف العالم على حبها، ويتسابقون لها، غير أن سارقي الفرح، يكرهون الثوب الأبيض، واحمرار الورد، وصفاء زرقة السماء، وذلك الاخضرار المرتوي في الشجر، لا يرون إلا الرماد، ولا يعشقون إلا لون «الرصاص»، وغبرة أجنحة الغربان.

كان يمكن أن يفرحوا بتلك الضحايا، وغزير دمع العيون، والحزن الشاحب الذي خط باريس، لكن باريس مدينة لا تموت، ولا تنطفئ، وتكبر بأحزانها، وتتعالى على أحزانها، باريس مدينة خلقت لتحيا.. وتعلم معنى الحياة!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خلقت لتحيا وتعلم الحياة خلقت لتحيا وتعلم الحياة



GMT 04:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 04:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 04:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 04:57 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 04:56 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أوكرانيا...اليوم التالي بعد الألف

GMT 04:56 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث نساء العالم ضحايا عنف

GMT 04:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

GMT 04:54 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 18:01 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 19:17 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 18:37 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 18:54 2019 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:09 2015 السبت ,25 إبريل / نيسان

"سوني" تكشف عن مميزات هاتفها "إكسبريا زي 4"

GMT 23:38 2013 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تباين أسعار خدمات المطاعم خلال رمضان

GMT 11:24 2019 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أجمل الوجهات السياحية في شتاء 2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates