حفارو قبور الحياة

حفارو قبور الحياة

حفارو قبور الحياة

 صوت الإمارات -

حفارو قبور الحياة

ناصر الظاهري

مجتمعاتنا محرّضة على الإعياء، والتعب، والتقاعد المبكر من الحياة، ومن ثم الدخول في طقوس الحنوط والكافور، فهي ما أن تلمح شخصاً دخل في نادي الخمسين أو امرأة شارفت الأربعين، حتى تبعث بإشارات مرضية وهمية، وأخرى متخيلة للجسد، بعدها تتحول نحو التحضير للدفن المبكر لهؤلاء الأشخاص الذين في حقيقة أمرهم أنهم وصلوا سن النضج والعقل، والحكمة، والعطاء الصحيح، فالرجل يدفع به نحو الحج أولاً لتكفير الذنوب، والموت على الفطرة، والمحجة البيضاء، وبالتالي يتحول من الإنتاجية والإبداع والاستفادة من عمره الرجولي الحقيقي، إلى إجباره على التفكير في مربع الموت، وأن الذي مضى من العمر ليس بقدر الآتي، وتبدأ شعارات الاستقالة المبكرة من الحياة، بدءاً من الزوجة التي تعايره منذ الصباح «عنبوك أنت الشايب العايب» أو«شيبه وريوله في القبر» أما المرأة فسيشق المجتمع حفرتها في عز فرحها بالحياة، وسيبقى يرهبها بالماورائيات، وأن جهنم سكانها جلهم من النساء، وأنه آن لها أن تكمل عقلها ودينها الناقصين، ويبدأ يظهر لها مقترحاته المهدئة، النقاب والحجاب والسواد، وأن كل همزة ولمزة من المرأة حرام، وأنها كلها عورات وللناس أعين، عطرها حرام، وزينتها تبرج، وصوتها عورة، وأي رجل يراها يختبئ خلفه شيطان هو ثالث الثلاثة، لذا تجدهم يجعلونها تحضّر كفنها بنفسها، هذا غير تخويفها الدائم من تلك البثرة التي تتحسسها كل يوم تحت وحول صدرها، وإن حجت واعتمرت اصبح على أولادها لزاماً أن يقبّلوا بوجهها صوب القبلة عند مطلع كل شمس، لأنها إن ماتت ماتت وهي تناظر الكعبة فتشفع لها، أما شعارات قتل المرأة المبكر فكثيرة: سن اليأس، عيالك غدوا رياييل، وأصبحت جدة، التهديدات بجلب ضرة، وأنها بارت، فيغدو وجهها مصفراً وهي كظيم.

بالمقارنة في المجتمعات الأخرى انظروا للرجل يبلغ الثمانين، وهو متعاف بالحياة، ومنطلق نحو ربيعها، و«هاب ريح»، يمارس الرياضة، ليس لديه فراغ، ويسافر دائماً في رحلات ما بعد التقاعد، يمارس طقوس حياتيه اليومية، وكأنه سيعيش أبداً، ولا يعترف بأي مخطط يمكن أن يستهدف حياته ونعيمها، ويخطف منه ضحكته، والمرأة في تلك المجتمعات وحين تبلغ سنها الذهبية، تجدها تمارس الرياضة، وتخرج مع أبنائها وكأنهم أصدقاؤها، لا تشكو من العيب، ولا من هشاشة العظام، ولا من الترهل المنزلي!
لدينا الكثير من المغالطات في الحياة، وهذا ما يجعلنا حين نرى «جماعتنا»، يشعروننا بأنهم حفارو قبور الحياة، وأنهم يزيدوننا أعواماً على أعمارنا، ويطفئون نور وجوهنا!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حفارو قبور الحياة حفارو قبور الحياة



GMT 22:31 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 22:30 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 22:29 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 22:29 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 22:28 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 22:28 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

GMT 22:27 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

هيثم المالح وإليسا... بلا حدود!

GMT 22:26 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

جرعة تفاؤل!

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates