بقلم : ناصر الظاهري
يعيش المواطن العربي في حصن من الخوف، لم يقدر أن يخرج منه منذ أزمان بعيدة، ولم يستطع الآخرون اختراقه، وإنقاذه منه، خوف من كل شيء: خوف من الجديد، لأنه قد تكون فيه بدعة، والبدعة من الضلالة، والضلالة من النار، ويخاف من إبليس وأعوانه، والشيطان وهمزاته ووساوسه، يخاف من النار والوقوع فيها، والطريق المؤدي إليها، يخاف من أقوال الأولين من الأولياء والصالحين، يخاف من القبر وعذابه، وما قد يسجله الملكان عن يمينه وشماله، يخاف من مديره، ويخاف على رزقه، وعلى عياله، يخاف من المسؤولية، ويخاف من الوحدة، يخاف من الأيام وما تخبئ له، يخاف من الشرطي ومخالفاته، يخاف من بلوى تنحذف عليه، يخاف من السجن يدخله مظلوماً، ولا يخرج منه، يخاف من مأمور الضرائب، ويخاف من فواتير المستشفيات الخاصة، ويخاف من الغلاء، وزيادة الأسعار، يخاف من أن تباع له بضائع منتهية الصلاحية، وبضائع غير صالحة للاستخدام الآدمي، يخاف من الكهرباء وانقطاعها وفواتيرها، يخاف من اللوم، وما يقوله الجار، وما ينتقده فلان فيه، يخاف إن ضحك كثيراً بأن لا يبشر بخير ولا يلقى خيراً.
يخاف من الخضراوات والفواكه لأنه يسمع أن بعضها مسرطن، ويخاف من الدجاج والطيور لأنه مهدد بأنفلونزا جديدة لم يعهدها، يخاف من اللحوم لأنه ما زال يتذكر جنون البقر، يخاف من ألا تصل شكواه إلى المسؤولين، يخاف من حماته، ومن صراخ زوجته، يخاف من المشاكل وما يعترض طريقه، يخاف من الصراحة، ومن نفسه اللوّامة، يخاف أن يكسر كلام مسؤوله أو يأتي بفعل لا يعجبه، يخاف أن يمسكوه في المطار، يخاف من العار، وأن تُسوّد وجهه ناقصة العقل والدين، يخاف من بعض الأحلام، وكوابيس المنام، يخاف أن يفشل ليلة زواجه، يخاف أن ينقطع نسله، يخاف أن تجبره الأيام على النكوص بالواجبات المنزلية.
يخاف ألا يحصل ناديه على بطولة الدوري هذا العام، يخاف أن يضيع جواز سفره في السفر، يخاف أن تنشب معاملته في مكتب من هذه المكاتب الباردة، وأن لا تجدد إقامته، ولا تحصل زوجته على «فيزا» الزيارة، يخاف من المرض، والفحوص الطبية، ومن شكة الإبرة، ومن حفر ضرسه، يخاف من «التفنيش»، ويخاف من تفتيش جيوبه، ورسائل هاتفه الواردة والصادرة، يخاف من ظهور الشيب، ومن أول خطوط التجاعيد في الوجه، يخاف أن ينضب البترول، ويخاف من الحسد والعين، يخاف المواطن العربي من كل شيء، ولا يخاف من ربه!