بقلم : ناصر الظاهري
لأن الأشياء الثمينة بحاجة لحراس، ولأن الأشياء الجميلة بحاجة لحراس، ولأن الأشياء المتعوب عليها بحاجة لحراس، ولأن النجاح بحاجة لحراس، ولأن صورة الأمن والأمان والطمأنينة التي تكبد الرجال هنا المشقة في رسمها طوال تلك السنين بحاجة لحراس، ولأن العواصم من سماتها الاستقرار وهيبة الأمكنة، فهي بحاجة لحراس، ولأن الوقت اليوم تغير والحال تبدل، ولا تقدر كثيراً أن تميز بين شخص نابه أزرق يضمر العداوة لك، وآخر يسنّ أسنانه على تفوقك، وآخر يخبئ لك خنجراً في الظلمة ليسرق سعادتك، وشخص يلبس قناعاً، مرة يستر الوجه القبيح، ومرة من خلال ابتسامة صفراء لا تميزها، ومرة يبطن غير ما يظهر، ومرة يضحك عليك بمعسول الكلام، وينفخ صدرك بهواء الحروف الكاذبة، لذا كان لا بد من وجود حرّاس حقيقيين للأوطان ومقدراتها ومكتسباتها، قد لا يرون، وقد لا يسمع عنهم أحد، وقد تلتقيهم، وترد على تحيتهم، لكنك لا تعرفهم، وأحياناً نريدهم أن يكونوا ظاهرين ومعروفين، ويشعر بهم الجميع خاصة وقت الشدائد والأزمات، كل الأوطان بحاجة لمثل هؤلاء الحراس النظيفين، والذين لا تقدر أن تساومهم على إخلاصهم وقلوبهم، فهذه ليست ملكهم، ملك من يحبون، ومن يحبون غير الوطن!
نتمنى على الدولة ككيان اتحادي، أو كل إمارة ترى ضرورة لنموها وتطورها أن تنشئ محكمة إدارية، لها صفة الاستقلالية والحيادية، وترتبط بأعلى سقف في الهرم السلطوي، بعيداً عن تداخلات وتدخلات وأسلاك الوزارات، أو الدوائر الطويلة التي يمكن أن تتسلق كل الجدران، وبعيداً عن مديري المكاتب والسكرتيريين الخاصين، وكلامهم الحالم الذي يشعرك وكأنك أخوهم الصغير، ومن بطن واحد، ووعودهم الوردية التي تبقى تتبعك مثل ظلة لا تحبها أن تغيب، محكمة إدارية ذات يد عليا، وسلطة عليا، وقرار قوي، لا ترتجف ولا ترتبك، ولا تخاف على مستقبل أولادها من التيتم، أو تخاف من التسفير أو تخشى اسم مسؤول، في الزمن البعيد.
وحين كانت الأمور في بداياتها، وعلى فطرتها، كان الناس يعرفون أين مردهم في الملمات، وحين يريدون أن يوصلوا شيئاً مهماً لخير الوطن والناس، أو منعاً لتجاوزات إدارية ومالية كبيرة أو حرصاً على مشاريع ومصالح كبرى في الوطن، لكن اليوم كبر المجتمع، وكبرت مؤسسات الدولة، وتعقدت الأمور، وتشابكت الأشياء، ونحن نؤسس لمجتمع مدني، ولدولة شعارها التفوق دائماً والشفافية أبداً.. لذا ننشد مثل هذه المحاكم الإدارية من أجل الخير، ومن أجل الحق، ومن أجل جمال دولتنا، وطهارة «إماراتنا»!