ناصر الظاهري
لأنه يوم الحب نهديه للأوطان حين تتنفس شيئاً صافياً من جهة بحرها، ومن صوب جبالها، أو أطراف صحاريها، هواء جديداً، ومختلفاً، يعطي للحياة ألقاً من فرح يدوم.
لأنه يوم الحب نتذكر فيه المضحون من أجل الأوطان، ومن أجل عزتها، ومعنى كرامتها، ومعنى أن ينظر لك الآخرون بحب، لأنك خالد كشهيد في ذاكرتهم، وباق كأيقونة في سمائهم.
لأنه يوم الحب، والحب شيء كبير ومقدس، ومحاط بأسرار كونية، لذا يتصارع الناس من أجله، ومن أجل الظفر به، فكم هي كبيرة تلك الكلمة «القاتلة» أن يقول لك أحد: أحبك، ومن القلب، فلا ترى في عينيه إلا الصدق.
لأنه يوم الحب، وهو يوم اخترعه الناس بعد الحرب، ومن أجل أن يحفظوا الأرواح، ويصينوا الدماء، ويغمدوا السيوف، ويقولوا بدلاً من البغض الشعر.
لأنه يوم الحب، يوم تكون فيه الموسيقى دافئة تشعر بها الأطراف، ويمكن أن يكون معها مطر، يوم تزهر زنابق بيضاء في الحديقة، وورود حمراء في الأيادي، وعتب بدمع صاف في العيون، هي مراسيل للسعادة والفرح الملون في هذا اليوم.
لأنه يوم الحب، تتقاطر على القلب مرافئ، ومدن، وحكايات لصيقة بزرقة الليل، وذاك الضوء الشفيف، ثلوج، ومطر على النوافذ، وأغانٍ تأتي بها الريح، وبقايا أشياء مؤطرة ومعطرة، ذهبت أيام العمر برقصها إلى الأمام، وذهبت كل تلك الأشياء، وبقي الحب الذي يسقي القلب المخضرّ.
لأنه يوم الحب، يوم تتويج الأم على هلعها الدائم نحو فلذات الكبد، وعدم تعبها من الحب، مهما باعدت بيننا الجهات، ومهما فرّقت بيننا الدروب والقلوب، نأتيها وصدورنا تختظل بالنشيج، نبكي عند قدميها نريدها أن ترضى، تستقر دمعات على جبينها الذي نقّبل، نريدها أن لا تعتب، فلا ترانا إلا ذاك طفلها الذي كبر، وذهب دون أن يودعها أو يوعدها بالمجيء، فتخبئه بسترها، وتستر عن الأب فعله، وتقول: طفلي خرج، ولم يخرج من قلبي.
لأنه يوم الحب، يوم من تسامح، لذا لا نتذكر كثيراً فيه من قدم لنا إساءة، فلم ينس، ونسينا، ولا من قدمنا له معروفاً فنسي، ونحن من قبله نسينا، غير متذكرين إلا الحب، وما يمكن أن يصنعه في النفوس من رضا.
في مثل هذا اليوم، لا لزوم لحرف الراء في كلمة الحرب!