حدث في إسطنبول

حدث في إسطنبول

حدث في إسطنبول

 صوت الإمارات -

حدث في إسطنبول

ناصر الظاهري

كنا هناك قبل ثلاثة أيام، نجرّ عربات الأطفال الصغار، في ساحة السلطان أحمد التي تنتصفها مسلة فرعونية، مكان بهي، وحاضر بالتاريخ، والناس تقصده، متأملة روعة الهندسة والمعمار الإسلامي، ويتصعدون من روائح التاريخ إن كانت صدورهم عامرة بالإيمان، وعقولهم مدركة المعارف، قبل ثلاثة أيام، كان كل من في المكان من السياح، والزوّار، والقاصدين، من كل المِلل والنحِل، والأعراق والأجناس، كان الغالب منهم مدججين بآلات التصوير، ونقالاتهم، ينقلون لأهلهم فرحهم بالريح الباردة، وندف الثلج الحيّية، وبمطر ما جاء إلا ليبارك المكان، لم نر في ذلك المكان عسكراً، ولا جنوداً يحرسون، كان فضاء مباركاً، وكان ضجيج أقدام السعادة التي تدّك الحجر القديم المرصوف بعرق الأولين، لم نر مظاهر لعربات الجند، فلم كان القتل؟ ولمن كان القتل؟ وفيمن كان القتل؟ أفواج سياح، وعشاق سفر، ومحبون لقراءة التاريخ والمكان، وإسطنبول زاخرة بما تحكي، وتقول، ولها سردياتها التي لا تنتهي، من أعظم سلاطينها إلى أسفل تنابلتها وأقزامها ومهرجيها، من أحنّ دراويشها ومريديها، إلى أجلف صعاليكها وشطّارها، ولا تنتهي، فكلما أنقضت حكاية، جاءت أختها، قبل ثلاثة أيام لم نر في ذلك المكان إلا أطفالاً يتراقصون فرحين بالثلج، وهاربين من المطر، ونساء تثقلهن أردية الشتاء، وتعب التأمل في التاريخ وجدرانه، وتلك النقوش، والخطوط العربية التي لم ترتعش يد كاتبها، لأن قلبه هو من كتب، ورجالاً كالرعاة في البراري، يناظرون الفصيل، ويقطرون من يخرج عن القطيع، وعمالاً منهمكين يصلحون شيئاً للحياة، وعائلات سورية لائذة بالمكان، يمطرها الجوع والعوز والتهجير والفراغ الأبدي، تستجدي المارّة لكي ترى بلدها مرة أخرى، ودثاراً للشتاء، بائع حاجيات أعمى، يبسط ذراعيه، وبضاعته المتنقلة، يأخذ بيد المشتري برجاء، وبيد مرتجفة، معتذراً عن العمى، طالباً منه أن يدلّه على ما يريد، ولا يأخذ إلا خمس ليرات، ولا يزيد، لم نر قبل ثلاثة أيام في تلك الساحة التي نسيها العثمانيون إلى هذه الأيام، إلا مقاهي تقدم «البقلاوة والسميط والشاي»، وباعة راجلين، يلقّطون رزقهم اليومي الحلال، وشحاذاً يتكئ على جدار، ويقرأ القرآن بصوت رخيم، تشعرك تلك الحروف النورانية، المعطرة بمسك التسابيح، أنها خارجة للتو من المسجد، مبتلة بماء الوضوء، وقداسة السماء، وطهر الأشياء، حين يكون للأشياء معنى، وقصيد، لم نر في تلك الساحة قبل ثلاثة أيام إلا الحياة، والحياة فقط، فكيف وصلها الموت فجأة؟ كيف تغيرت طيورها البيضاء، السماوية التي تحتل ماء السبيل، وغدت غرباناً تنعق بالرماد؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حدث في إسطنبول حدث في إسطنبول



GMT 04:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 04:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 04:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 04:57 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 04:56 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أوكرانيا...اليوم التالي بعد الألف

GMT 04:56 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث نساء العالم ضحايا عنف

GMT 04:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

GMT 04:54 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 13:17 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك ظروف جيدة خلال هذا الشهر

GMT 18:02 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

برابوس تكشف عن "مرسيدس E63 AMG" بقوة 789 حصان

GMT 00:59 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حبوب البن تقي الجسم من أمراض كثيرة

GMT 15:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

طُرق بسيطة بشأن تحويل حديقة صغيرة إلى أخرى مُميَّزة

GMT 09:16 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مطاعم مراكش بديكوراتها الجديدة تستضيف العام الجديد 2016

GMT 10:48 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حاكم الشارقة يفتتح أعمال "الاتحاد العربي للنقل الجوي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates