ناصر الظاهري
هي مدونات صغيرة ومبعثرة، نتيجة التكسل على مقاعد مقاهي أوروبا، وقراءة الوجوه، والتأمل في خطى البشر، تضيع مني أحياناً، وأحياناً أجدها، فتكون الشهقة والفرحة:
- بعض من «أخوان شما» إن ذهبوا إلى أوروبا، ورأوا واحداً ماشياً مع عمته، تقبضهم الغصة، خاصة حين تكون العمة «بطّرانه، وغاوية ذاك الغوى»، يظلون يتفكرون ويهمهمون بينهم، حاسدين الرجل، وأنه ما يستاهلها، ويشفقون عليها، وعلى شبابها الضائع هدراً، وليتها تقبل لكي يشرّغونها ويعززونها، بس هي والقلب وما هوى، ولو الآخر نبح وعوى، ولتذهب كل إغراءاتهم إلى جوف الصحراء، لا تعيبه، ولو كانت رأسه زبيبة، ولباسه مخبقاً، وسلاسل ذهب، وقرط في الأذن، وخشم يسحب أوكسجين «لوزان»، وشكله عطّالي، بطّالي!
- لا تعرف سبباً لمعاناة العربي من الحموضة منذ الصباح الباكر، أو سبباً لامرأة عربية تقبض خاصرتها منذ الفجر أو فم معدتها من التوجع وسهر الليالي، تقول ما أحد غيرهم يكدّ ويربع ويخدم في هذه الحياة!
- مرة صعبت عليّ نفسي، وصلت لندن أتأبط ملفين غير ضروريين بالمرّة، نزلت من القطار مقنوطاً دونما سبب، تذكرت اللون الرمادي الطاغي، والمنازل المكتئبة، المتشابهة، شعرت أنني وحيد، وساقط في امتحان اللغة، كنت يومها شبيهاً بمحام مبتدئ، عنده قضيتان لأرملتين من مكانين مختلفين، فات النهار، وغزر المطر، وولت ساعات النهار، ورجعت بدونهما، أتأبط عافية باريس!
- ذاك الصبي الإنجليزي في القطار المتجه جنوباً، ذكرني بمشروع لصراف مراب يعد منذ الصغر، تدثره في ملابسه الواسعة، والتي تصر أمه على شرائها وإحضارها له أكبر منه بسنتين، ومن المحل عينه، كان يعد البنسات الحمراء بعين واحدة شبه مغمضة، ومن خلال نظارة مغبشة، وعلى زجاجها أثر لأصابع مدهنة، كان كل شيء فيه أكبر من عمره، ولولا نمش وجهه المبكر الذي يعاند شعر اللحية على الظهور سريعاً، وبشكل متفرق، وتلك النضارة الواضحة في أمه غير المتصابية، بعد أن فقدت زوجها منذ حولين كاملين، لقلت: إنه ذاهب لعمله الجديد في مصرف صغير في ضاحية منسية جنوب لندن!
- العربي إذا كانت هناك خدمات مجانية، وتسهيلية من حقك، يحاول أن لا يعرفّك بها، أو يريد أن يتناساها ضمن عمله الذي يؤديه بسرعة غير مطلوبة منه، وإذا اكتشفتها مصادفة حمض ريقه، وتغير وجهه، في حين الأوروبي هي من مدعاة ترغيبك في الشراء، وإن نسيتها ذكّرك بها، لأنها جزء من حقك، مع ابتسامة صافية، لأنه أدى عمله بأمانة كما ينبغي!