ناصر الظاهري
عدم قبول الآخر، وتضخيم الذات هما جناحا الشيطان لخلق الكراهية، وما يندرج تحتها من تجريم، واستصغار، وإقصاء، وعنف لفظي، وجسدي، وإلغاء، وعدم اعتراف بحق الآخر في العيش الكريم، وحق التعبير، وحق التملك، وحقوقه المدنية الأخرى في القيادة والمشاركة، وأداء الواجب حتى، ولقد ابتلت هذه الأمة أكثر من غيرها، وعلى مختلف العصور بوجود محاور للشر تسعى للشقاق، وتوليد الفرقة، والاجتهاد في غير الصالح العام وتغليب الفردية والشخصانية وصلة القربى والدم من العائلة والعشيرة والقبيلة والحلف، وقلما عرف العرب قديماً لحمة اللغة والعِرق إلا في معركتهم في ذي قار ضد الفرس، وما تلاها من حلف الفضول، وحينما جاء الإسلام ليوحد العقيدة، والتوجه، ويصهر كل الأواصر الأخرى في مشروع ديني ذي رسالة للآخرين، دعوة، لا إكراهاً، انفتاحاً لا انطواء، وعزلة، تباينت الأفكار بعد وفاة الرسول الكريم، وتلاقت أسنة الرماح، وسمع صليل السيوف، وامتطى العربي خيول الرسالة ليؤسس له دولاً، أخذت في الانهيار، دولة الخلافة الراشدية، ثم الأموية، حيث رفعت خلالهما المصاحف لترجيح إحدى الفئتين، وتساقط المهاجرين والأنصار، وحفظة القرآن، ونشوء المُلك العضوض، واغتيال ثلاثة من الخلفاء الراشدين، وبدء ظهور الفرق والملل والنحل، بعضها يعتمد على الفكر، وقراءة النص، وبعضها وليد اللحظة والحماس، والثأر، وطلب الدنيا، وبعضها الآخر معاول هدم في العقيدة الجديدة، من هنا ستتمدد الدولة الإسلامية حتى تغدو إمبراطورية عظمى، كالعباسية، وستهتم بالعقل، وسيمجد النقل، وستنحاز السلطة السياسية حيناً لهذا، مثل أيام محنة القرآن، وظهور المعتزلة، وإقرار مذهبهم كمذهب رسمي، وجلد بعض أئمة المذاهب الأربعة، وحينا آخر لهذا، مثلما تم تعيين بعض المذاهب السنية، كمذاهب رسمية، وتولية القضاء لها، كما حدث مع المذهب المالكي والظاهري في الأندلس والمغرب، والمذاهب الأخرى في المشرق، وستقسم الأمة إلى بضع وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا الناجية، والتي تعتقد كل الفرق أنها هي، ومن هنا تضخمت الكراهية، وصار تجريم التكفير، بعيداً عن التفكير، واتخذت هذه الكراهية طريقين: الأول باتجاه الذات العربية، والمواطنة، والمسلمة، «دار الإسلام»، متوجساً من المواطنة العربية من مختلف القوميات والديانات غير الإسلام، كاليهودية والنصرانية والصابئة، والثاني باتجاه الآخر، المغاير، الغرب، الإفرنج، العلوج، «دار الكفر».
ولأننا في وقت عصيب تمر به الأمة العربية والإسلامية، نتيجة كل التراكمات الماضوية المأساوية، والحاضرة الفاشلة، فإننا اليوم نقوم بتوسيع نطاق الكراهية بقيادات متلبسة بالإسلام، ومتأسلمة بالسياسة، لا تريد إلا أن ترى الدماء، والقرابين للسماء!