بين السر والجهر

بين السر والجهر

بين السر والجهر

 صوت الإمارات -

بين السر والجهر

ناصر الظاهري

ما الذي يجعل الشخص حين يعتلي المنصة أو يقف خلف الميكرفون أو يرى كاميرا أمامه يتبدل حاله، ويتحول فجأة من إنسان عادي، هادئ إلى إنسان مزمجر، وهادر، ودونما أي أسباب؟ هذا الخطيب، ربما إمام جامع، سياسي، مصلح اجتماعي، شاعر، لاعب فائز، إداري لنادٍ مهزوم، مذيع مناسبات، مترشح لانتخابات، يرفعون أصواتهم، وتعتريهم الحماسة والانفعال، طرأت على بالي هذه الفكرة وأنا أستمع لخطبة الجمعة في أحد مساجدنا، والمقررة سلفاً من هيئة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وكانت عن بر الوالدين والإحسان إليهما، فإذا بخطيب الجامع يبدو منفعلاً أكثر من المطلوب منه، ويصرخ في الميكروفون الذي صنع أصلاً ليخفف الجهد على حبال الإنسان الصوتية، ويجعل من رئتيه تشتغلان براحة تامة، كان الصريخ والحماسة لا يليقان بالموضوع الذي أمرنا ديننا فيه أن لا نقول للوالدين أف، ولا ننهرهما، ونقول لهما قولاً كريماً!
 مرة كنا نمشي صحبة في شارع الشانزليزيه، وهو شارع مكتظ، وتكاد لا تسمع فيه جارك، فلمحنا من بعيد رجلاً يرتدي كندورة قصيرة، ومقصرة إلى ما دون الركبة، وشعر رجليه الكثيف ظاهر واضح للعيان، ومتعمماً بغترة بيضاء لها ذؤابة بين كتفيه، ولحيته ترقد على صدره، فأيقنت أنه من الجماعات الدينية من شمال المغرب، هكذا بدأت لي سحنته من بعيد، وإنْ كانوا اليوم يتشابهون، وكأنهم «إخوان»، أخذ ذلك الأخ يشق صفوف المارة، وكأنه أمر جهادي، نسينا أمره لدقائق، فإذا هو قبالتنا، ويصرخ: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» حتى أنه أفزع بعض الغافلين منا، وأرعب بعض المارة، فنظرنا إليه صامتين، فرفع حاجب عينه اليمنى، ومسح على لحيته، وألقى السلام بنبرة الصوت العالي نفسه، لم نرد عليه، وأعده بعضنا من السياح المتسولين الذين يهجمون عليك فجأة بطلب، ويمكن أن يغافلوك ويلهوك ويسرقوا شيئاً من عندك، بينما أيقنت في نفسي أنه يريد التحارش لسبب ما، وأنه ربما يضمر شراً، ولا يريد سلاماً، فوقفنا ننظر إليه، فأسمعنا نصيحته التي يحفظها، «إذا حييتم بتحية الإسلام،..» احترت لما هذا التصرف، وهل السلام يحتاج لعنف في القول، أم لين وطيب نفس وبشاشة!
شاعر رقيق، بيده ميكرفون وأمامه كاميرا، ويلقي قصيدته على جماهير غفيرة، فجأة يتحول لشاعر صخّاب، ويتبدل من الهدوء والسكينة إلى الحماسة المفتعلة، والانفعالات المتعمدة، حتى يبلغ حد الرغي والزبد، يا أخي! قل قصيدتك في حبيبتك الجميلة المتمنعة، ولا داعي لأن تصهر الفولاذ والوقر في آذاننا!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين السر والجهر بين السر والجهر



GMT 21:44 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

دولار ترمب

GMT 21:43 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

GMT 21:43 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

هزيمة "حماس" لا تعني تجاوز الشعب الفلسطيني

GMT 21:42 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وعد ترمب ووعيده من المناخ للصحة

GMT 21:42 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

الواقعية والغرابة في مأساة غزة

GMT 21:41 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

تنصيب ترمب وعوالم التفوّق التكنولوجي

GMT 21:40 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أميركا... واستحقاقات العهد الذهبي

GMT 21:40 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

ترامب ومصير العالم

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:08 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

"هيونداي i30 " تتحدى مع مقاعد كبيرة وسرعة فائقة

GMT 00:39 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحقق في 3 أشهر فائضاً أولياً بـ 100 مليون جنيه

GMT 10:56 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب فهمي يؤكّد أن "سيرة الحب" تتحدث عن حياة بليغ حمدي

GMT 12:07 2018 السبت ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حاتم يقترب مِن إنهاء مَشاهده في فيلم "قصة حب"

GMT 19:02 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

للمرة الأولى فُرص عمل على "الشباب والرياضة" الجمعة المقبلة

GMT 00:15 2016 الأحد ,10 إبريل / نيسان

“النغم الشارد”

GMT 15:52 2013 الإثنين ,12 آب / أغسطس

صدور "فضيلة رائعة في مجموعة قصصية"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates