ناصر الظاهري
هناك مثل أو مقولة إنجليزية، تتردد حين تبدأ المفاصلة والمكاسرة في الأسعار، والتي لا يعرفونها في حياتهم، وحين لا تعرف الغالي من الرخيص، وهذا غير وارد في أسواقهم، وحين يشم من وراء الصفقات بعضاً من الغش والتدليس، فيقولون: «كاربت ماركت أو بازار»، وهذا حال الأسواق عندنا في الوطن العربي، لا يشاركنا في فوضويتها وغشها إلا بعض الشعوب المتخلفة أكثر منا، أقول هذا وقد هالتني المقارنة بين أسواقنا العربية، والتي يحفظ تجارها حديث الرسول الكريم من غشنا فليس منا، وآداب البيع والشراء، وآداب دخول الأسواق والخروج منها، وهي أمور تطرق لها القرآن الكريم، وأكدتها سنة نبينا الصادق الأمين، والذي عمل تاجراً في شبابه، وتوفي وله شراكة مع تاجر يهودي، والمقارنة بالأسواق الأوروبية، حيث لا يرفعون لافتة «هذا من فضل ربي» ولا لافتة «من شر حاسد إذا حسد»، ولا غيرها من اللافتات التي يستعين بها من الخير لعمل الشر، فمررت بأسواق القاهرة واسطنبول وأسواق المغرب، مروراً ببيروت ودمشق وصنعاء وتونس، وغيرها كأسواق الهند الذين جل تجارها مسلمون، ودول إسلامية في الشرق، وأنظر كيف يتفننون في الخداع والكذب والغش في البضاعة، والغش في الأسعار، ولا تدري لو لم تكن كل تلك التعاليم والمبادئ الأخلاقية، لعاثوا فساداً.
وبالمقابل ترى أسواق الغرب، وهي منظمة وفق قوانين وضعية، ولوائح عقابية، فلا تجد ما يغضبك أو يشعرك بالغبن أو تتعرض لمشاجرات أو مضايقات من التجار، ومتسولي الأسواق أو النشالين والنصابين والعيّارين، وتبدو المقولة الإنجليزية إنها تاريخية، ومبنية على تحارب قديمة في الأسواق العربية والإسلامية، فاختصروها واقتصروها على سوق السجاد.
اليوم لايمكن أن تجادل تاجراً ألمانياً في السعر، وكل بضاعة عليها سعرها، ولا تعرض بضاعة فيها عيب تصنيعي، تجد الصدق شعارهم، ولا يرفعون من أجله لافتات دينية، فصدق النفوس أولى وأحق من صدق النصوص، ولعل التأكيد على شيء أن التجار القدامى في الأسواق العربية والإسلامية هم الأصدق، والأكثر بشاشة، وما الغش إلا من محدثي النعم، والشباب المتهالكين على الغنى، والغرباء عن المهنة الحقيقية، لكنها كبرت وأصبحت ظاهرة، وعمت، وانتقلت للأسواق الجدد في المدن الجديدة، وبلغت حتى وصلت عندنا، فأسواقنا تمتاز بميزة، لا أدري إن كانت صحيّة أو يجب تقويمها، وهي أن كل التجار فيها من مدن العالم، خاصة من الأسواق التجارية القديمة، وهؤلاء يحملون ثقافات أسواقهم، ويجب أن ينضبطوا بقوانين مدننا الكونية الحديثة، فلا يجب أن يتصرف التاجر في أبوظبي ودبي كما كان يتصرف في أسواق بخارى وسمرقند، أو نجد التاجر العيّار منا هو على أرصفة سوق الحميدية أو التاجر الفهلوي، كما هو في سوق الموسكي!