بقلم : ناصر الظاهري
لا أعرف ما هو السبب في تعلق العربي بالعدد الصحيح، لا المكسور، فكثيراً ما يجبر الرقم الذي يحمل كسوراً، ويبلغه للعدد الصحيح، من تلقاء نفسه، ودون أن يطلب منه أحد، فالنعاج التي يملكها، والبالغة تسع وتسعين نعجة، يزيدها نعجة مكتملة النمو، ليصبح عدد النعاج مائة، كرقم صحيح، وطمعاً في المزيد، ووقت المواعيد والانتظار عنده، إما خمس دقائق أو عشر ومضاعفاتها.
وهناك شغف عند العربي بالرقم الذي يحمل ستة أصفار، وبالذات المليون، فما من رجل أعمال، وحينما تتضخم ثروته، إلا وتجده في المقابلات التي تعدها مجلات «أدفع للنشر، وأدفع لصورة الغلاف»، يبكي، وينوح، ويتذكر بحسرة أول مليون جمعه، وهو أمر كاذب، فالمليون الأول أسهل من الملايين الأخرى التي تحتاج لجهد أكبر، وتنازلات أكثر، لكن لكي يطمئن الفقراء: «أن لا يأس مع الحياة»، المهم عليهم تجميع المليون الأول، أما كيف هي الطريقة، فلا يتعدى قوله إن أباه أعطاه ورقة نقدية بمائة درهم، لتبتدئ معها رحلة كفاحه المرير، والمليون عند العربي، كأنه تاج من ذهب، رغم أن هناك أرقاماً أخرى أكثر منه، وأجمل.
تقوم حشود من المتظاهرين، فيدعوها الزعيم والمتزعم العربي بـ«المليونية»، جائزة الأسواق الحرة، تصر على المليون، سواء بالعملة المحلية أو الأجنبية، «المولات» التجارية أقل جائزة سيارة، ومليون، والبنوك صاحبة بدعة «مليونير الشهر»، وهناك برنامج «من سيربح المليون»؟ و«شاعر المليون» و«شارع المليون»، وبرنامج توقف من أول حلقة، اسمه «الملكة والمليونير».
رجال الأعمال يتسابقون لترك كراسي «المليونيرية»، بعدما زاحمهم تجار الخردة، وحديثو النعمة، فهربوا بفضل «المجلات» المتخصصة لمنزلة أعلى «المليارديرية»، أما الشعب الكادح فلصقت به صفة «المديونيرية».
تُصبّح على لبناني، وتقول له: «بونجور» فيرد عليك إن كانت نفسه طيبة، وكان يومه السعد، وكسب فيه مالاً: «حبيبي بونجورين.. ولك مليون بونجور»، أما في مصر فلم أر عيّاراً، مكّاراً، مثل «دسوقي أفندي»، والذي كان كلما شاف صديقنا المتأنق دوماً، بتلك البدلة التي ليست في وقتها، ولا تناسبه كثيراً، فيرقعه «دسوقي أفندي» قبل كل جملة بعبارة: «يا سعادة المليونير»!
ولا تجد نصاباً، لم يرفق في سيرته العطرة، بأنه من أصحاب الملايين، ولن تجد مفلساً، مخادعاً، لم يترحم على الأيام الخوالي، حينما كان يلعب بالملايين لعباً، وفي فترة من فترات الفساد الذي عمّ مصر، لا تخلو الصفحات الأولى للجرائد من قصة «المليونير الهارب»، وجاءنا وَطّرٌ كان مهر العروس مليون درهم، وفي المثل الشعبي: «خَبّي مليونك الأبيض ليومك الأسود»!