ناصر الظاهري
لا يمكننا أن نعد القتل الإلكتروني الذي يمارسه البعض كمرض نفسي، أو عقد اجتماعية، أو حب في الانتقام، أو حتى للتسلية المقيتة، نوعاً من القتل الرحيم، فهو يظهر بواطن الناس، وما يعتمل في صدورهم تجاه الآخرين، وقد لا يعرفونهم، إنما هو استهواء للعبة الإلكترونية التي صارت في أيديهم كسلاح لا يعرفون خطره، ومضاره.
خلال الفترة الماضية كم أقبرت هذه التسلية الإلكترونية من فنان وأديب وسياسي، وحين تريد أن تعرف السبب يصعب عليك فهم الناس ونفوسهم وأمراضهم، فكل شخص يبغض آخر، يتمنى دفنه قبل دنو أجله، ويشيعها في الناس الذين بدورهم يريدون جنازة ليشبعوا لطماً، فكيف إن كانت الصورة تخدم هذا الافتراء الإلكتروني، والقتل الذي لا تحاكمه القوانين، حيث تقف منشلة إزاء هذا التصرف غير الإنساني، ولتتحمل الضحية وأفراد أسرتها هذا العبث بالأعصاب والصدمات النفسية، ولا يمكننا أن نسميها إشاعة، فقد تخطت كل الأمور، وتجاوزت الحدود.
المشكلة أنه في بعض الأوقات يتحول القتل الإلكتروني إلى انتحار إلكتروني أو قتل النفس بدافع الشهرة والصيت، خاصة حينما تنطفئ أضواء الشهرة، ويغيب الفنان أو الأديب أو السياسي أو الرياضي عن بقعة الضوء الإعلامية، فيحاول أن يغمرها بالتربة الإلكترونية ليبرز السؤال، ويحدث التساؤل، وتتداول الصورة المغبرة من جديد.
وربما ما حدث للشاعر العراقي «أحمد النعيمي» صاحب قصيدة «نحن شعب لا يستحي» حيث ركبت له مشنقة على الطريقة الإيرانية في إعدام المخالفين السياسيين والفكريين والدينيين، ووظفوا صورته لتخدم الخبر الإشاعة، وكأن المسألة صحيحة ببرهانها، ويطير الخبر في الأرجاء، ولا يترحم عليه أحد.
ممثل مصري ظريف اشتهر بدور المحامي في مسرحية عادل إمام «شاهد ما شافش حاجة» تزوج شابة تصغره بعقود، وبدأ القتلة الإلكترونيون يقتلونه كل يوم بطريقة فيها السخرية، وفيها الرثاء، وكثير من البكاء، هذا الممثل الذي لم يعرف ما هي طبيعة العداء بينه، وبين هؤلاء القتلة الإلكترونيين، توفي في غضون شهرين أو ثلاثة من هذه الإشاعات المميتة، وغيره الكثير، بعضهم يبشرونه بموته مطلع العام الجديد وفق تنبؤات المنجمة، واستطلاعات الفلكيين، والبعض يلصقون فيه أمراض العصر ليذهب المسكين في موضوع الوسواس الخناس.
هؤلاء القتلة الإلكترونيون ينشطون في المجتمعات المكبوتة، المليئة بأمراضها الاجتماعية من الاحتقان الديني والجنسي والعنف اللفظي والحسد المادي والمعنوي والجهل ووقت الفراغ الضائع، لذا تجدهم يوجهون سهامهم نحو صدور المشهورين والناجحين والأعداء الافتراضيين، متمنين أن يكون يومهم قريباً!