الغيطاني وموت السارد

الغيطاني.. وموت السارد

الغيطاني.. وموت السارد

 صوت الإمارات -

الغيطاني وموت السارد

ناصر الظاهري

لم نصدق الرحيل المفاجئ، وليته ما كان، الغيطاني يترك كل الأشياء في مكانها ويرحل متأبطاً حرائقه، ونسيجه، والأوراق القديمة، كان قبل أيام يذرع القاهرة وشوارعها التي يعرفها مثل كفه، وكأنه يودع أبطال قصصه ورواياته وحكاياته التي لا تنتهي، لقد أبى جمال إلا أن يلحق بالرعيل الجميل من مجايليه من الفنانين والكتّاب، والذين غادرونا تباعاً، وكأن شيئاً قابل للعطب، ومنتظر الاحتجاج، ورفع الصوت، وإعلان البراءة من هذا الوقت العربي الذي لم يخلق لنا، ولا نقدر على العيش فيه.


خبر وفاة جمال الغيطاني جاء دونما أي إنذار لأصدقائه، ومحبيه، حسبناها وعكة مثل التي تلم بالإنسان، ويخرج منها متعافياً بكسل، فالرجل حقيبته لا تزال عامرة بالتخطيطات والمشاريع المؤجلة، وتشطيبات على هوامش كثيرة، مندسة هنا.. وهناك، تلك الحقيبة التي قلما تشاهد جمال الغيطاني إلا بها، ومعها.
التقيته أول مرة في القاهرة في منتصف الثمانينيات، حينما سار بي أصدقاء أشبه بحرّاس الليل، نجوس في القاهرة القديمة، كان سعيد الكفراوي، ومنسي قنديل، وعبد الحكيم قاسم، ثم التقيته في القاهرة، والقاهرة، وبيروت، وأبوظبي، والمغرب، وألمانيا، وسعدت بتقديمه مرة، وفرحت بمشاركته في ندوات مرات، الغيطاني ليس بالتلقائي، فهو لا يفتح صدره، ولا يفسح لك في مكانه بسرعة، عليك أن تدخل نسيجه، فقد تعلم من صناعة السجاد والكليم تخصصه الأول، ميزة فك العُقد، ودقة الغرز، وذاك النسج الذي يشبه قصيدة، لذا لكي تسبر عالمه، عليك الدخول له من مكان ضيق في تفاصيله، وما يهوى.

إن كان نجيب محفوظ هو الكاهن الأعظم للقاهرة، وهو كبيرهم الذي علمهم السحر، فالغيطاني كبير سدنتها، حبرها، وسرها، وإحدى وصايا نجيب محفوظ المعلنة، بأن لدى هذا المُريد، المُلازم شيئاً من صوفية الدراويش، وشيئاً من سحر حكايات المزامير، والمَدد، وتتبع غياب العشاق خلف ظلالهم الباردة في الطرقات، ومدن الله الكثيرة، له مسارب قديمة ينفذ من خلالها للسرد الجديد، وله ما يرزق الطير في صبحه، ومسائه حين يذهب خماصاً، ويعود بطاناً، وله المدى حينما يحمل القاهرة في حقيبته ويمضي، ليعود إليها عاشقاً لها، وسعيداً بها، ودمع العين لا يكفي.

لما حينما نودع أحداً من أولئك الناس الصادقين من كتّاب وفناني الزمن الجميل، وكأنما ندق مسماراً أخيراً في نعش العروبة، وكأننا ننعى الطُهر، ونبكي النُبل، ونجرّ ربابة الحزن على ليلى، وعلى أنفسنا، وأحلامنا الهائمة، ومسار النجم الذي أصبح بعيداً.. جمال الغيطاني أماناً وسلاماً للنفس المطمئنة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغيطاني وموت السارد الغيطاني وموت السارد



GMT 04:32 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

لحظة تأمل

GMT 04:32 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

حرب الجنرال الغائب

GMT 04:30 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

كِتاب غزة

GMT 04:29 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

الحرب الثالثة ماذا بعدُ؟

GMT 04:29 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

«أوديب».. وقد غادر الطائرة

GMT 04:25 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

وزراء كانوا هنا

GMT 04:24 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

القرار الخاطئ

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 08:21 2014 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

الطقس حار نهارًا وغائم جزئيًا في بعض مناطق قطر

GMT 04:51 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

نقل بيليه إلى المستشفى فور وصوله البرازيل

GMT 14:29 2013 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أرداف اصطناعية شبيهة بمؤخرة كيم كاردشيان للبيع

GMT 08:40 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار ديكور مصورة لتجديد غرف الطعام هذا الموسم

GMT 04:56 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

اتهام والتر ماير مدرب النمسا في قضية منشطات

GMT 23:07 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

كاميرا مراقبة بخواص استشعار متعددة من "باناسونيك"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates