ناصر الظاهري
كم صادفنا السعادة، ولم ننتبه، كم تعثرنا بها في طريقنا، ولم نتوقف، كم تبعت ظلنا، ولم نلتفت خلفنا، كم أخذتنا من أيدينا في ظلمات الطرقات، والليل غير صديق، لكننا هربنا منها، خفنا منها أو ساقتنا أقدامنا لمناطق العتمة، ولم نحفل بها، السعادة كنهر جار، لا يسوق لجيرانه إلا الخير، ولا تعرف البيوت المحاذية له الأذى، السعادة قد تأتي كمطر منهمر، يوقظ كل الأشياء باتجاه الفرح والحياة، وفجأة يحول الأمور إلى غمرة من نور، وسرور، وحبور.
السعادة يمكن أن تجدها في زاوية صغيرة تحت قدمي عجوز تتأبط الوقت، وخريف العمر، ولا تريد أن تسوم الوجه أو تساوم الأيام المتبقية من حياتها، غير أن الجوع قاتل، وخلو الزمن من الأوفياء، والأبرار، والأبناء، يجعلها تمد يدها لك، وهي في حقيقة الأمر تمد السعادة، فلا تجعل قلبك يخطئها، ولا بصيرتك تفقدها.
السعادة أحيانا تطرق باب بيتك، لكنك توصد الباب في وجهها، رغم أنها تحمل لك كل الخير، ما ضرك لو تركت القطة تدخل، أو ذاك الشحاذ لم ينهزم بخجله وحاجته، ماذا لو أخرجت من باب بيتك لأبواب بيوت الجيران من خير كثير، ما ضرك لو تركت بابك مشرعاً في وجوه خلق الله، فربما حمل لك الكثير منهم بسمة أو رضا أو أزاح من طريقك هماً أو عثرة، لِم منعت السعادة من الدخول لقلبك أولا، ولبيتك ثانيا؟
السعادة قد تختبئ في ضحكة طفل أو خلف زغزغة خواصر صبية لتبتسم عن أسنان لبنية، قد تركب جناح رسالة ظلت طريقها، وتعثر بريدها، لتأتيك برعاف الحبر، وزهو القلم حين يكتب ما يسطرون، تصلك، وفجأة كل عصافير القلب ترفرف، مظللة رأسك برذاذ من ماء البرد، ما الضير إن اعتذرت، لمن وفيما أخطأت، وجعلت السعادة تسابق خطاك، تريد أن تطبع قبلة على رأس انحنى بكبرياء، وجعل رائحة مسك الرضا تعبق في الأرجاء، ومنع الشمس عن الشيطان.
الأم إن ضحكت، كانت سعادة القلب، والأخت إن فرحت، كانت سعادة القلب، وحس البيت الكبير بالجد الغائب، والأب الذي تفتقد، إن بقي حيّا بذكرهما، ومشيدا بعزهما، كانت سعادة القلب.
أن تدخل موطنك أو تسير لمدينتك، تلك سعادة تجلي القلب، ولا تجعله في مكانه، ثمة أجنحة كثيرة تدعوك للتحليق في فضاء تشعر أنه لا يتسع لك وحدك، تريد كل الموجودات أن تطير معك، فهناك نبع عذب يسمى السعادة، وهناك حقول خضراء لا يحدها البصر، هي السعادة.. فلا تغمض عينيك!