ناصر الظاهري
لابد من غربلة الإنتاج الثقافي والإصدارات الإبداعية في الإمارات بين الحين والآخر، وكلما انقضت سنوات من طرحها في السوق، لقد تسنى لي الاطلاع على معظم ما نشر خلال السنوات الأخيرة المنصرمة لـ«كتّاب» من الإمارات، فوجدت أن الأقلام الواعدة والحقيقية قليلة قياساً بالكم المنتج، ووجدت أن الكثير ممن صدّروا كتباً، استسهلوا الأمر، واستمرأوا حالة الحضور الإعلامي، غير المبني على قاعدة من المعرفة والإنتاج العميق، لم يحاسبوا النفس قبل الإصدار، فبعض هذه الأعمال لا تتعدى أن تكون خواطر وهواجس نفس بشرية في لحظة تأزم ما، بعض الأعمال القصصية أقرب إلى قضم بسكويت منتهي الصلاحية، أما الشعر فبدأ الناشرون فيه أكثر تماسكاً، لكن المبدعين ومن يشار لهم بالسبابة لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، أما الكارثة فهي إصدارات الرواية، لقد جلدت مراراً وأنا أتعذب في قراءة ما صدر من روايات من الإمارات، وحاولت أن أطلع على تجارب الكتّاب الحياتية لكي ينتجوا عملاً يستحق أن يسمى رواية، فوجدت معظمهم خريج كلية حديثاً، وحظه من العلم لتجاوز الامتحانات، محيطه عمله، ودائرة أصدقائه، وقراءات تلامس سطوح الأشياء، وإنجاز رواية في غضون أشهر، فتعجبت كيف تنبت رواية في هذا المحيط الأجرد! لا أريد أن أقسو على تجربة الشباب الإبداعية، ولكن لابد من وقفة جادة، وغربلة حقيقية لما يطرح، لكي لا يكون السائد هو الغث، لقد توقف معظم رواد الجيل الأول من مبدعي الإمارات حينما شغلتهم الحياة، وثقافة الاستهلاك الجديدة، وحينما لم يطور البعض نفسه تماشياً من العصر ولغته، وحينما لم يجد البعض الآخر ما يطرحه اليوم، فاحترم أمسه، وصمت، وثمة كلمة موجهة إلى دوائر الطبع في مؤسساتنا التي تريد أن تشجع المبدعين، والواعدين من الشباب من باب حسن النية، وفتح أفق لهم لكي يتطوروا ويطوروا أنفسهم، أن يراعوا الأسس الأولى للنشر، فلا يتغاضوا، ولا يتساهلوا، لأنهم إنْ فعلوا ذلك فتحوا عليهم أبواباً لن تنغلق من قبل محبي ركوب الذلول، وممتطي السهل دون الوعر!
لقد هالني في سنة من السنوات أن رقم الروايات التي صدرت في إحدى دول الخليج تعدت المئات، في حين التجربة الروائية فيها لم تتعد السنوات، حتى ظهرت روايات مستنسخة من رواية ناجحة إلكترونياً، وروايات تتطرق لموضوع القهر الاجتماعي والكبت الجنسي في مجتمع مغلق، وكأن مشكلات المجتمع تتركز في ذلك فقط، وظهرت روايات أخرى أشبه بكلام الدردشة و«التشاتنج» عبر وسائل التواصل الاجتماعي!