ناصر الظاهري
لو نقلنا شخصاً من الذين لا يصبحون على خير، ولا ينوون من فجرهم الخير، يشتعل مع أقل حديث، ويثور من أي ملاحظة، من مكانه الحار، وشمسه الحارقة، وتلك الرطوبة التي تسبب الكمد إلى منطقة باردة في ضواحي هولندا مثلاً، فستجده فجأة ينهار، ويسيح كالثلج الذائب، ويذهب في الابتسام، وحب المزاح، وسيقترب من الخير، وسيغدو صوته أقل حدة، وأكثر ثقة، لما للطقس من تلك السلطة؟ وللجو ذلك التأثير السريع!
إخواننا في المناطق الحارة، يبكرون منذ صباحهم غير الندي بالسبّ، وما يتعلق بالأنساب والأرحام، وكل ما من شأنه كما يعتقدون أنه سيفرح قلوبهم المثقلة، ويخفف من وطأة نهارهم الذي بلا آخر، لذا تجد المسبات واللعنات على طرف لسانه، لكنه لو سكن في أطراف سويسرا، فسينهض باسماً، وقد لا يصلي الفجر، لكنه بالتأكيد لن يسبّ، ولا الماورائيات، من تلك المسبات التكفيرية، الحر.. والحر، وحده هو من يجعل النفوس تغلي، ويجعل من الزعاف يصعد إلى الرأس، دائماً الجماعة في توتر، وكأنهم أقواس مشدودة، ومستعدة للانطلاق بعشوائية في كل لحظة، حاول أن تدخل في دولنا الساخنة محل جزارة للحم الحلال، وتطلب من الجزار الذي يتسلح بسكين في اليد اليمنى وساطوراً في اليد اليسرى، وتطلب منه من أجل السلامة العامة، والمحافظة على النظافة أن يرتدي معطفاً أبيض، بدلاً من تلك الفانلة أم حمالتين المسوّدة، والمثقبة في جوانبها، والتي تظهر شعر زنديه، وانظر كيف سيتصرف «بلباقة ملحمية»، بلاش ادخل على فران، وهو مواجه بيت النار، ويصّلي ظهره حرّنا الذي يأتي عادة مبكراً كل عام، وحاول أن تستعطفه أن يرتدي قفازين، وهو يحمل الخبز أو وهو يعجن الطحين، لأن كثيراً من الأضرار تدخل بيوتنا من المخابز والمطاعم، وسترى كم سيسعد حينها، وكم سيبتسم في وجه أخيه المؤمن، لأنها صدقة، والدال على الخير كفاعله، وغيرها من الوصايا العشر، في الدول الباردة، المخبز نظيف، والتي تبيع نظيفة، وتلبس قفازات، وتضع طربوشاً على الرأس، وأكماماً على الأنف، ويتقبلون الملاحظة، ولا يسبون، ولا يغضبون، وقد يودعونك بابتسامة، الحر يا جماعة هو مصدر الشر، هو الذي يجعل سائق التاكسي يسب امرأة تعبر الطريق، ويسمعها كلمات ليست كالكلمات، لولا الحر ما ارتشى بعض الموظفين، ولا عطلوا مصالح الناس، ولا كثر الطلاق، وحلت البركة في الأشياء، ولن تجد قاموس الشتائم في شوارعنا، الحر يجعل حتى كلابنا تنبحا أكثر!