بقلم : ناصر الظاهري
كل الجهات محاصرة، ومتربصة لفعل قد يقع عليها، وجانبه الغالب هو الشر، الأسواق محاصرة، المطارات مهيأة، محطات القطارات مرشحة، التجمعات المدنية رأس الهدف، ولا منجي غير الله، والذي عادة ما يبدأون بالتلفظ باسمه على كل فعل شرير، ويسمّون باسمه على كل مشروع للقتل، ليكسبوا شرعية لفعلهم، وليمنحوا له بركة كاذبة، كل الجهات محاصرة، ولا مفر، كل الأماكن مستهدفة، ولا عاصم من القتل، تبدو تلك الرسالة التي يريد الإرهاب أن يبثها في قلوب الناس والأجهزة، ومتى ما سكنت القلوب، سهل الاستسلام والتسليم،
ومتى ما تراخت الأجهزة من طول المرابطة والتشديد والمكابدة، سهل الاختراق، وتحقيق المراد، وهذا ما يراهن عليه الإرهابيون الذين كثيراً ما يفشلون، ولا نسمع عن فشلهم، لكنهم ينجحون مرة، فيدويّ صوتهم، ويبين خرابهم.
لو عددنا ما تقدمه بلجيكا لوحدها للمسلمين القاطنين في أراضيها والبالغين نصف مليون في عاصمتها، لكان لزاماً علينا الدعاء لها في دبر كل صلاة، ولو عرفنا ما تقدمه من رعاية وحماية للمساجد ودور العبادة، وما تصرفه عليها، وعلى القائمين عليها، لبكينا من خجلنا، ووزر عملنا، هناك أمور كثيرة تقوم بها بلجيكا وحكومتها وبلديات مدنها والجمعيات الأهلية فيها، لأنها تحترم الإنسان، وحقوقه، وكرامته، وتمنحه بما يساعده على العيش الكريم والحر والآمن، ويحظى بها المسلمون فيها مثلهم مثل أي مواطن أوروبي، فكيف يأتي نَفَر منا، عائش فيها ليهدم المعبد بما فيه، وعلى من فيه، وكأننا نريد منهم أن يحاربونا غصباً عنهم، ونجبرهم أن يتخلّوا بما تحلوا من قيم إنسانية وحضارية، وعادات في الإنسان وحشية وشريرة رموها في مزابل الحرب الكونية الأولى والثانية وقبلها في الحروب الصليبية، ليعودوا لها من جديد في عصر الحرائق والرماد، وتسلط الجهل والغوغاء والتدين القاتل!
لقد هالني ما نطق به أحدهم كفراً حين قال إن مختطف الطائرة المصرية مجنون، وبه أَذى من رأسه، ما أسهل أن نرمي أخطاءنا بالجنون، وننعت فاعليها بنقص العقل؟ هل من المعقول أن جنونه هو الذي أوحى له وخطط ودبَّر ونفذ عملية الاختطاف وأدارها بإتقان وتعامل مع شرائح مختلفة من المخطوفين بتلك العقلية المجنونة والتي تريد أن تعطيها السلطات صكاً رسمياً، وَمِمَّا هالني في العملية الإرهابية، مهما كانت الدواعي لها، ومهما أردنا أن نبسطها، فلن تعدو إلا من عمليات الإرهاب والشروع في القتل، وترويع الناس، أن يخرج ويقول: اذا الإرهاب اخترق مطار بروكسل، فالأمر أسهل وأيسر في مصر، وهنا لا أدري ما دخل هذا بذاك، وما غاية تسهيل التبرير؟