ناصر الظاهري
في صباح عمركما الجديد، أقر أنني أب مصاب بتلك الأنانية التي أرى أنها لا تضر أحداً، فلتسمح لي بأنانيتي تلك الصغيرة «الحُور»، وتوأمها «منصور» في عيدهما اليوم، أن أعترف بأنني أريد السرير لي وحدي، وأنام عليه بالعرض، لا هي نائمة على مخداتي، ولا هو راقد عند قدمي، أريد أن أصحو وحدي، لا صريخ منها، ولا ذاك الذي يسحب نعليّ، يوقظني بهما، لكي أمشي وأخرج، أكره الحديث قبل الإفطار، أكره الشعر المتساقط على صحن المغسلة، أتضايق من رؤية أرضية الحمام المبتلة، أحب أن أرى السيراميك لامعاً، أحب أشياء كثيرة وصغيرة، أحب النوم على شقي الأيسر مثلاً، أكره غطاء الوجه والرأس، أحب إن كانت لي نافذة، ومطلّة على البحر، أن أستيقظ، وعيني فيه، أحب الأزرق، وأمقت الرصاصي.
أنا لا أفهم في الحساب كثيراً، وأحب أن أشتري بلا حساب، أحب كل شيء في اتساعه، الأكل لشخصين، والفطور بيضتان، ولقمتان، وخبزتان، من كل شيء اثنان.. هكذا أبحرت سفينة نوح لتبقى على الحياة!
أحب «الشوكولا» البنية الفاتحة، لا أستطيب ذات البني المحروق، وإن عدّد الآخرون فائدتها، أحب الصيف، وأحب الشتاء، لكن بشروطي، لا ملابس جلدية لامعة، ولا تلك التي تشبه جلود النمور، أحبه إن كان مصحوباً بمطر، ورائحة كستناء، وبامرأة تتدثر بالفرح، لا أحب ثمار البحر، ولا صدر الدجاج، أشتهي اللحم أحياناً، والخبز هو كفاف يومي، فلتسمحا لي به إن كان محلياً، أفغانياً، تركياً، إيرانياً، فرنسياً، هو لقمتي في كل الموانئ، ولو غمسته بالزيت، وبالعسل، أو عدت به كعادة طفولية مغموساً بالشاي والحليب، أحب لعب الأطفال تلك الأشياء الجميلة التي نسيتها، أقول لهما أكره الأكل بالمذهبات والفضيات، أحب أن أمد رجلاً فأستريح، وأمد يداً فأشبع، لكنني لا أحب اليد السفلى، ولا الوجه الذي لا يخجل.
أنا يا صغيريّ.. اكره الماء الفاتر، هو دواء سبعيني، فاتركاني لعمري الآن، واتركاني أتفرج على لاعبة التنس الأرضي «كورنيكوفا»، وعلى زميلتها التي لا أعرف اسمها، لكن يعجبني رسمها!
أنا لا أفهم في «المكرويف»، ولا كيف تعمل الثلاجة، أو تطفأ الغسالة، وما هي فائدة النشافة؟ ولا أريد أن أفهم، أرتبك بقياس حفاظاتكما، ويغمى عليّ إن كانت مبلولة، ومثقلة، يوترني لعبكما في مكتبي ومكتبتي، وكسر نظارتي، وشق صفحات من كتبي، دعاني أبقى فرحاً بالذي أنا فيه.. ولكما في عيدكما الثالث، عيشا طويلاً، وعمراً سعيداً.. أنتما ماء العين.. نذر الوطن!