ناصر الظاهري
هل يمكن للإنسان أن يخلق عدواً وهمياً، أو عدواً عن بُعد، لا يعرفه، ولم يلتق به، وقد تكون بينهما مياه إقليمية ومحيطات من بحر أزرق، وقد لا يوجد سبب معروف لهذه العداوة، وقد لا يعرف الطرف الآخر أن هناك عدواً يتربص به، على الأقل في الخيال، وبالتأكيد لا يتمنى له الخير؟ لو نظرنا لأمور عديدة في حياة الناس، لوجدنا مثل تلك العداوة عن بُعد، ووجدنا أعداء يتباغضون، ويتلاعنون في الوهم، قد يعرفون أشياء عن بعضهم بعضاً، لكنهم حتماً لا يعرفون بعضهم بعضاً، ولا يعرفون كم الكره، والبُغض الذي يكنّه الواحد للآخر، أما من صنع تلك العداوة، فقد ذهب في حاله، ونظر لحياته، ولم يعد يهمه أمر العدوين، وربما أنسته الأيام إياهما، لقد ذهب الفاعل، وبقي الفعل، وما تضمر القلوب من أمور تتحول للحقد، والزوال.
العداوة الوهمية، ومحاربة أشباح الخيال تبدأ بالقيل، والقال، والسماع، حيث تكبر تلك الشحمة التي في الصدر، وتسودّ الأكباد، ويبدأ التنقيب في أثر بعضهم بعضاً، يتمنون أن يجدوا فَرجه لينفذوا من خلالها لمساوئ العدو فيكبروها، وإلى محاسنه فيدنسوها، وإيجاد فُرجة ليوزعوها على الناس ليتمتعوا ويستمتعوا بمثالب ذلك العدو، وحتى إنْ لم يجدوا أعملوا الخيال، وتصيدوا قصصاً مفتعلة، وركبوا عليه قصصاً حدثت لغيره، ليلبسوه إياها بغية التشفي، وتبريد الجوف، ومحاولة إنهاء الطرف الآخر بإذلاله، والتشنيع عليه، وطمسه في هذه الدنيا.
تنتقل هذه العداوة عن بُعد إلى الحواس، فيرون العدو الوهمي كشيطان أو حيوان أو مخلوق يغيب عنه كل أنواع الجمال، يتصورونه كريه الرائحة، وثقيل الدم، ويشعرون بشوك جلده، تصم الآذان، وتطمس العيون، وتزكم الأنوف عن المحاسن الغائبة، ولا يبقى شيء من الحواس المعطلة إلا اللسان وهو يرعى في سيرة العدو، والآذان تشنف حين تسمع الأضداد، وما قد يشوه الصورة، ويمسخ العدو.
هذا العدو الوهمي، وعن بعد، هو مثل المطلق والزوج الجديد، أو المطلقة والزوجة الجديدة، يتباغضون ولا يعرفون، قد نعذر المطلق في العداوة، ولكن ما هو عذر الزوج الجديد في عداوة مفتعلة، قد يكون العدو أيضاً زميلاً أو مديراً في العمل وخرج منه، فيضعونه، ويضعون سيرته بين الزملاء، والزملاء الجدد الذين بدورهم سيحولونه لعدو من وهم، وسيحاولون أن يبنوا قصصاً من خيال حوله، وبشأن عداوته، بعيداً عن أي تفكير أو استدراك للعقل، وبحثاً عن المسببات، الناس هم أعداء أنفسهم، وأعداء الآخرين، ولا دخل للشيطان بينهم!