ناصر الظاهري
عطفاً لحديث الأديب معالي محمد المر في ملتقى «القراءة وتنمية المعرفة» الذي أقامته وزارة الثقافة وتنمية المعرفة أمس في أبوظبي، في تطرقه لجهل الإعلام العربي، وتقاعسه، وسعيه للسطحية، والترفيه الرخيص، وعجزه عن إنجاز مشروع معرفي للرقي بالإنسان، وثقافي يرفده بشتى أنواع المعارف، وإرشاده إلى النافع، والمهم في مسألة القراءة واختياراتها، ذكرني ببرنامج فرنسي، ثقافي، معرفي يرشد الفرنسي، وكل ناطق بها لدروب القراءة، والاطلاع، ويطرح له بدائل الاختيار في شتى أنواع المعرفة، وكان في بالي، طوال الجلسة، لأنه ما زال في ثنايا الذاكرة، وسعدت، كما شرفت أنني كنت أشاهده، ومن متابعيه، هذا البرنامج الذي كانت فرنسا كلها تنتظره، وكل الناطقين بالفرانكوفونية يتابعونه، كان يعنى بالكتاب، والمؤلفين، حيث يقدم في كل حلقة مؤلفاً وكتاباً، ومجموعة نقاد يناقشونه، كان من تقديم، والحقيقة أكثر من إعداد وتقديم، كان جهداً إعلامياً، وثقافياً، وتقصياً نقدياً، يقوم به « بيرنار بيڤو» صاحب برنامج «أبوستروف» الذي استمر عرضه مدّة خمسة عشر عاماً، وحتى عام 1990م، لكن برنامج مثل «أبوستروف» لا يموت، فالمادة التي فيه حيّة، كان بمثابة كتب قيمة على أرفف المكتبة.
السؤال الذي كان يدور في تلك الجلسة التي تختص بالقراءة، وتنمية المعرفة عند المواطنين، خاصة الأجيال الجديدة، هو الغياب الحقيقي لعناصر مهمة عدة، هي التي تصنع عادة القراءة، وهي التي تنمي المعرفة، وترقى بالثقافة في حياة الأفراد والمجتمع، وأكبر هؤلاء الغائبين هو الإعلام، ثمة قصور من الأهالي الذين عليهم الاعتماد الأول، وثمة قصور من المدرسة التي عليها اعتماد الثاني، لكن الإعلام هو الذي يمكنه أن يحتوي ما في البيت والمدرسة، فإن كان مقصراً في حق الأم والأب، ومقصراً في حق المعلم، فمن أين ستأتي المعرفة، وغرس حب الاطلاع والقراءة، والسؤال والتفكير، وتتعدد حلقات السلسلة، لكنها تؤدي في النهاية إلى تكريس مفهوم القراءة في النفوس، وتأصيلها؟
لما لا يوجد برنامج ثقافي تلفزيوني أسبوعي، فيه الفنون، وفيه الأنشطة الثقافية الحافلة بها الإمارات، وفيه إشارات لقوائم الكتب الجديدة، ومتابعات تخص المسرح والسينما، وغيرها من المعارف من الجهات الأربع؟ - وقد كان عندنا- حينما كنا «تلفزيون» اليوم قنوات، ولا شيء، ما نحتاجه برنامجاً عالي المستوى، يقدمه شخص مختص، وواعٍ، ومدرك، ومثقف، لا نريد الفهم والمعرفة من مقدم «متشنج»، لا يعرف المقدمة المكتوبة له، ولا مذيعة تظل مرتبكة بـ «شيلتها» وتبربش بجفونها «التركيبة»، فهؤلاء يصلحون للقنوات الترفيهية، وبرامجها التي تبدأ بالطبخ، ولا تنتهي بالمسلسلات التركية!