ناصر الظاهري
من محدثات الأمور عندنا، وبدعها، و«فناتك» الحياة الغريبة، ظهور عبارة: «بكيفي.. أنا حرّة»، التي تعرف من سنّها أول مرّة، ولا تعرف ورعها، ولكن تعرف عجرفتها المجانية، والتي من دون داعٍ، فالعبارة، ومبتدعتها من محدثات النعمة، وممن لم يقهرن حالهن، بعد أن رأين العز، وغاب عنهن الفقر، وابتدع لها المستمعون والمشاهدون الكرام السلطنة الطربية، والمملكة الوهمية، وتسخرت لها وسائل التواصل الاجتماعي، والكاميرا الناقلة في كل يد، اليوم صارت العبارة على كل لسان، حتى فقدت معناها الأصلي، «بكيفي.. أنا حرة» غدت مستعملة، ومستهلكة في كل لحظة وحين:
* حين لا تجد الفتاة مبرراً لتصرفاتها الرعناء، تصرخ في وجه والديها: «بكيفي.. أنا حرّة»، وطبعاً لا يجوز أن تلفظ تلك العبارة دون تنغيم، وتجويد، ومط الكاف، ووضع السبابة على الصدغ، وثمة براءة غائبة عن العينين.
* تنصحها زميلتها في العمل، والمتدينة حديثاً، أن أرطال المكياج زائدة «ومبشّعة حالها» ولا تتناسب وهذا النهار الجميل، العطر بنسيمه، وهي مزدحمة بهذا الكم من الأطيان والألوان، كالمهرج، فتزورها بتلك النظرة، ثم تردف: «والله أنا بكيفي.. حرّة».
* يمر أحد من المكتحلين، ومخططي اللحية، يغازل بتلك النظارة العاكسة في «المول»، فيريد أن يستفزّ كوكبة من الفتيات، «ويتميلح» لهن، وهو يقلّب هواتفه بين يديه: «هاي عبيّ.. اللي لابسات، وإلا بشوت نجفية»؟ فتنبري واحدة له، وجهها قوي، وتلجمه: «بكيفنا.. نحن حرّات.. خلّك في هالنظارة العاكسة، مال الجمعية، فقدّت هالوجه».
* انتقلت «بكيفي..» من الفتيات إلى الشبان، وصارت دارجة: يدوخ غليون حار، بكيفي، رأسه مشعوط من «الجل» بكيفي، لابس سراريح مطررة، بكيفي، طيّب روح أتعلم لغة أجنبية، لا.. بكيفي، أنزين متى بتصطلب، وتستوي ريّال، بكيفي، يا ولدي خايفين عليك، ومن مرابعة هالهتّلية، ونشّة الضحى العود، بكيفي.
* واحد «مدريدي»، حالق، وقاص قصة شعر «نيمار»، يستغرب زملاؤه من أنصار الملكي منه، ومن قصة غريمهم الـ«برشلوني»، فيقولون له: غيّر.. بدّل، ليش هالانقلاب المفاجئ؟ فيرد: «بكيفي.. أنا في الملعب مدريدي، وفي الحياة برشلوني».
* فتاة ليس لها كلام إلا عن «الجم» والرياضة، و«اسكواتش» و«زومّبا»، وحين تهبط على كافتيريا أو مطعم متطرف، تطلب بطاطا وعصير أفوكادو، وتخبّص في المعجنات، وبعدها تطلب كابتشينو، فتقول لها زميلتها غير الرياضية: هالله.. هالله في حالك، روفّي بعمرك، تراك نسيتِ الرياضة في هالمقهى، فتتذكر بندم، لكن تأخذها العزّة بالإثم، فترد عليها: «بكيفي.. أنا حرّة، تراك مب عازمّتني، كله من فلوسي، وبعدين المدربة قالت لي: اليوم فرّي».