بقلم : ناصر الظاهري
هل يمكن أن يتحول اللعب الجماعي للجماعات الإرهابية إلى لعب منفرد، يموت البطل في نهاية الفيلم، فلا تظهر الحقيقة الغائبة، مهما حاولنا أن نفك رموزها ومعطياتها، حادث «نيس» هل نعده عملاً فردياً أم أن وراءه أكفاً لعبت وتلعب في الظلام، ولا تريد تلك السمعة السيئة، يكفي تحقيق أهدافها، حادث الأفغاني «أبو مطوة»، حادث «ميونيخ»، حادث المسجد النبوي، وحوادث تتتابع في صيفنا الحار والرطب جداً، هل ستوهمنا المنظمات والجماعات التي تعمل وتتحرك تحت الأنفاق أنها حوادث فردية لا تدل على عمل منظم، ولا يمكن للإرهابيين أن يتبنوه، وأن جل أعمال الصيف مصدرها الأفراد غير المنظمين، نتيجة الظلم الاجتماعي، والغربة القاتلة للهويات والوجدان، والفقر، والبطالة، وما أحداث محيط الهامش لقلب باريس إلا واحدة من تلك الصحوات الفردانية التي حصدت رؤوس أبرياء، وهرست جثثهم.
هل انتقل العنف إلى أوروبا؟ وهل سيقوده هذه المرة مواطنون من أصول عربية وإسلامية، هذا العنف الذي كان في السابق يمثل دولاً، وسلمته اليوم بأيدي أفراد ظلت تبحث وتنبش في ماضيهم حتى وجدت ضالتها في الاضطراب الاجتماعي، وعدم استقرار النفس، وأرسلتهم للفردوس الموعود مبكراً، دون أن تشهد وتصلي عليهم. اليوم أوروبا والأوروبيون والغرب عموماً تقتلهم مخاوف الرعب، بحيث يمكنهم أن يأخذوا الأبرياء بجريرة الإرهابيين، ويفلت الإرهابيون من يد عدالتهم، والسبب التراخي، وبعض القوانين التي تمس الإنسانية، وعدم وجودهم على لوائح الإرهاب أو السجل الإجرامي، وهذه نقطة ضعيفة، وثغرة تنفذ من خلالها جماعات الإرهاب.
بقيت مسألة مهمة وهي خطيرة، إنْ ثبتت تعاملات بعض الدول الأوروبية وأميركا مع هذه الجماعات الإرهابية، وأنها هي التي تمنحها الحياة، وشرعية وجودها في دول الشرق الأوسط، وبعيداً عن بلدانهم الديمقراطية، لكن الإرهاب أصبح اليوم عابراً للقارات، وصغرت معداته، بحيث يمكن أن تحملها حقيبة صغيرة واحدة، ويمكن أن يكون حاملها شخصاً لا ينتمي إليهم، بل مختار من بين المهمشين والمطحونين اجتماعياً ومن أي مكان، وبالتالي أصبح تحقيق سياساتهم في الشرق الأوسط يلحقها انتقال الإرهاب لبلدانهم، ويهدد اقتصادهم.
اللعب الإرهابي المنفرد لم يأتِ من فراغ، ولا من فوضى إرهابية غير منظمة، ولا من كثرة المجانين في العالم، ولا من انتشار الأسلحة في الأسواق وبيعها، ولا من كثرة الطامحين للتسيد، بل هو تغيير في «التكنيك» وأسلوب المعالجة، وتطور الجريمة الإرهابية، وصعوبة تتبعها، وتجفيف منابعها، وإلا لو كانت النيات سليمة، هل يمكن لشركة من المرتزقة، وكثير من منتسبيها غير محترفين أن تهزم جيوش وقوات النخبة، ومن دول منتخبة؟