بقلم : ناصر الظاهري
اليوم الكوارث ترى كبيرة، وموجعة، وملونة، وتتداول على نطاق واسع في أرجاء الأرض، بفضل نيران الإعلام الصديقة، وغير الصديقة، في عالمنا اليوم الحروب ترى بدمائها الساخنة، وتلك الأفلام السينمائية بكاميرا المحاربين 16 ملم، وعادة ما تكون بالأبيض والأسود، وسريعة الحركة، استبدلت بكاميرات حية ورقمية وألوان غاية في الوضوح لتصوير المعارك الحربية والانفجارات قبل وأثناء وبعد حدوثها، غابت تلك النشرة العالمية التي تبث قبل عرض أي فيلم في قاعة السينما، كما غابت نشرة الأخبار الرئيسية التي ينتظرها السادة المشاهدون في تمام الثامنة أو التاسعة مساء، اليوم هناك نقل حي ومباشر من «أم المعارك» ومن تحطيم معبد «محاربي الكهوف»، لا شيء بعيد عن مرمى نيران الإعلام، وزاد الأمر دخول وسائل ووسائط إعلامية جديدة ومختزلة ورخيصة ومنتشرة في أيدي كل الناس، حتى أصبحت الغالبية العظمى منهم «صحافيين بلا حدود»، ينقلون للعالم ما يحدث في قرية نائية في الساحل السوري مثلاً، حتى كوارث الطيران المفاجئة، وغير المتوقعة، والمفتعلة تجد وسائل ووسائط قادرة أن تصور وتوثق أكثر من الصندوق الأسود، ولا ندري إلى أين يمكن أن تمضي بِنَا ثورة الاتصالات والمواصلات، لكن بالتأكيد المستقبل يخبئ لنا أشياء نعدها اليوم من مستحيلات الأمور، وأبعدها.
لكن هذه الثورة التكنولوجية الهائلة التي دعمت وسائل الاتصال، فرضت شروطها، وأملت أحكامها، فكثر الغث، ولم نعد نميز الخبيث، وغاب الصدق، وتجمل الكذب، وصارت المهنة بلا ميثاق شرف، ولا أخلاق الاحتراف، وإن كان «غوبلز» وزير الإعلام والدعاية في الحزب النازي الألماني، والمقرب والصدوق من «هتلر» صاحب الرؤية «اكذب.. واكذب، ثم سيصدّق الناس»، فإن ما يوجد في نطاق وتحت قبة الفضاء الإعلامي من أدوات بث، ومتنطعين يفوقون قدرة «غوبلز» وكذبه، وعدم مهنيته، خاصة أولئك الذين يتمسحون بالأديان، ويشركون الرب في جرائمهم الإنسانية، منتهكين حرماته، وإعزازه وتكريمه للنفس البشرية، والذين غالباً ما يصبغون أكاذيبهم بنصوص مقدسة، فيشرعنون الكذب، كما شرعنوا القتل.
ورغم كل هذه الأمور التي يدركها العقلاء والمتنورون وأصحاب الألباب، وهم بالتأكيد قلة في الوطن العربي، وكثرة في العالم الغربي، فإن الحكم والفيصل للفئة الجاهلة، والمستفيدة من الانقلاب الاجتماعي والانفتاح الاقتصادي والذين يركبون كل موجة لتسير أمورهم، فالغاية عندهم تبررها الوسيلة، كما يعتقد «مكيافيلي»، إذا تحكموا في مفاصل المجتمعات، وبثوا أنفسهم في كل مكان متسترين بأقنعة الدين ولبوس التقوى أو مازجين تجارتهم بما حلل وحرم الله، وهم اليوم الذين يبسطون أياديهم غير النظيفة على الإعلام، ويوجهونه جهة غير جهة القبلة!