بقلم : ناصر الظاهري
- الوقوف بعرفة، والإنسان محرماً بأثوابه الجرد البيض، يتذكر قماط طفل وهبت له الحياة، يبكي الظلمة التي كان سباته فيها، ويصرخ من وهج النور الذي أخرج إليه، أو يعنّ على فكره، كفن مغادر، نحو حياة برزخية، لا يعرف قرارها، ولا يعرف مقدار النور والظلمة فيها، في هذا اليوم، تغتسل من الدرن، ومن ثقل الخطايا، لا تذكر إلا نفسك الأمارة بالسوء، اليوم أنت وهي، وهذا الجبل المغمور بنور الله.
- في عرفة، والناس شعث غبر، حاجين ملبين، طالبين الرحمة، مستمطرين الشفاعة والمغفرة، متوسلين بسيد الأنبياء، وصفوة المختارين، أن يرجعوا إلى ديارهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، سالمين غانمين، مغفورة لهم خطاياهم، وأن يحشروا في زمرة محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
- هو يوم تلتقي فيه السماء بالأرض، فالحج عرفة، والوقوف بعرفة لا يشعر به إلا من سلك طريقاً إلى هذا الجبل حاجاً، عارياً لا يحمل من متاع الدنيا، غير وزر يوم تهول له رؤوس الفتيان شيباً، متجرداً من أثقال الحياة، ومن الاستكلاب على زيف متعها، وحروبها التي تجعل الإنسان مستعراً، وعراً، نافثاً سمه، مستحلاً دم أخيه، أو آكلاً لحمه ميتاً، مزهواً بفرح انتصاراته الدنيوية، بقطع رزق فقير أو تدنيس سمعة شريف أو ابتزاز إنسان في عز حاجته، وفي ساعة وجعه، وفي ألم عرضه.
- إن الوقوف بعرفة، مع كل هذا الخضم البشري، حاسري الرؤوس، يلتفون بالبياض، مرددين لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لا شريك لك، لبيك، لبيك وسعديك، في هذا اليوم العظيم، تظلل السماء الأرض، تكسوها بالسكينة، وطمأنينة النفس، وأن باب التوبة مفتوح، وأن الدعاء مستجاب، وأن الرحمة تتنزل على العباد، في مشهد حشري للخلائق، الأرض سجادة صلاتهم، والسماء عباءتهم، وعمائمهم، لا يرجون إلا أن يشملهم الله بعطفه ورحمته، وأن يذهب عنهم الروع والخوف، وأن ينزل عليهم بركات من السماء، ويتقبل الدعاء.
- بحق يوم عرفة العظيم، وبحق ما لبى حاج ومعتمر في بيتك الكريم، أن تذهب عنا المرض والجشع والظلم والبغي والجهل والعقوق والنسيان، وأن تجعلنا من الأتقياء الأبرار، السالكين دروب الله بالحمد والنعمة، وخواتيم القرآن، والصلاة: اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وذكراً عاطراً، ورزقاً واسعاً، وإيماناً ينفعنا يوم العرض عليك، اللهم يا مطهّر القلوب، طهّر قلوبنا، ونقِّ نفوسنا، وبلل جوارحنا بذكرك، وطيب عطرك، واعصمها من الخطأ والزلل، وجنبها وساوس الشيطان وهمزاته، ولا تجعلنا من العاصين، ولا المتكبرين، ولا الساعين بنميمة، ولا المداهنين، ولا المدّاحين، آكلي السحت والظالمين.
- حج مبرور، وسعي مشكور، وتجارة مع الله لا تبور.. وكل عام والجميع بخير.. والوطن بخير.. والقائد بخير
.المصدر : جريدة الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع