بقلم : ناصر الظاهري
هناك أناس يحبوننا ونحن لا ندري بهم، يخدموننا ونحن لا نرد لهم شيئاً حتى الشكر، ولو جاء متأخراً لا يصل إليهم، وربما لا يحتاجون إليه، فقد كان عطاؤهم من القلب، ولشيء أغرموا به، وأضنوا حياتهم من أجله، هناك الكثير منهم، وهم المستعربون نسبة للغة والحضارة، ولا نقول المستشرقين ذلك المصطلح الذي يطرح إشكاليات ملتبسة خلال سنوات طويلة من صراع الحضارات، من بين هؤلاء المستعربين الذين حظيت باللقاء معهم المستعربة الإسبانية «لوث غارثيا كاستينيون» تلك التي شغفت بالحضارة العربية، وعشقت الناس والأوطان حتى سرقت منها حب الوطن الأول، كانت تجد نفسها في القاهرة وبغداد ومراكش، وفي كل مرة تنبري مدينة عربية فتعلن عليها العشق، ولا تستطيع هي الفكاك منها. من أجل تلك الأشياء التي تحضها عليها مدن العرب وناسها تحولت من دراسة الفلسفة إلى دراسة العربية، وحينما وجدت جمالياتها تلك التي كبحر زاخر أو بئر بلا قرار كما تقول، ظلت تنتقي بحب من السرد الأدبي العربي وتقدمه للإسبانية، تتعب حتى تقنع ناشراً بأن يقبل بطباعة كتاب عن رواة وقصاصين عرب، كانت تقرأ الأشياء بحب، وتقنع بها بحب، نالت الدكتوراه الأولى في السرد العربي، حيث تناولت القصاصين المصريين «صنع الله إبراهيم»، و«جمال الغيطاني»، و»يوسف القعيد»، ونالت الدكتوراه الثانية في الأدب العربي بتناول القصاصين المغاربة «أدريس الخوري»، و«خُنَاثة بنونه»، و«محمد زفزاف»، استقرت طويلاً في بغداد ودرّست في جامعتها الأدب الإسباني، وشهدت حربها، وعملت إنطولوجيا عن القصة العراقية، نشرت كتاباً مقارناً بين قصص الأطفال العرب والإسبان، وكيف تقدم لهم الحروب الصليبية، اشتغلت على الترجمة التي تعدها عملاً إبداعياً يحمل روح الحضارة ووهج اللغة الأم.
هؤلاء العشاق الذين يحبوننا دون أن ندري، لا يكتفون بذلك الحب الذي يمكن أن ينتهي عند حد، لذا أقامت «لوث غارثيا كاستينيون» معارض لصورها الفوتوغرافية الفنية المستوحاة من البلدان العربية، ومقتنياتها من الثياب والسجاد التقليدي والعاديات والتشكيل العربي، وطافت به مدن إسبانيا والبرتغال، فقط لتقول للناس: هذا جزء من عشقي وجنوني وحياتي التي أعدها زاخرة بأشياء كثيرة جميلة وملونة.
كوكبة المستعربين الذين خدموا الحضارة العربية وآدابها وثقافتها طويلة، فمع لوث غارثيا كاستينيون يقف المستعربون الإسبان الكثر منهم: «إميليو غارثيا جوميث»، والمستعربون الروس الكبار منهم التاريخيون والمعاصرون مثل: «فلاديمير شاغال»، والفرنسيان «جاك بيرك» و«لويس ماسينيون»، والإيطالي «فرانشيسكو غابريلي»، والألماني «ثيودور نيلدكه»، والبريطاني «دينيس جونسون ديفيز»، وقائمة المستعربين تطول، ونعجز عن شكرها لمحبتنا!