بقلم : ناصر الظاهري
يحتار المرء فيما حال إليه الوضع العربي الذي كان متردياً، فأصبح اليوم على شفا جرف هاو، ولا ندري مستقبلاً أي ريح يمكن أن تحمله فتذروه، ولأننا في هذا الوطن العربي الممتد جغرافياً، والعميق تاريخياً، لا نشبه إلا حالنا، ولسنا كالاتحاد الأوروبي الذي تلتزم دوله بمواثيق واتفاقيات وقانون يسيّر المنظومة، نحن في الوطن العربي هناك لُحمة اجتماعية وأواصر صلة دم، ووشائج من علاقات معقدة، مثل الأعراق والأعراف والتقاليد، لذلك يصعب الفكاك من التفكير الجمعي، والنظرة الجماعية للأمور، وهي مسألة لم تكن وليدة هذا الوقت، ولكنها ممتدة عبر التاريخ المشترك.
اليوم الوطن العربي بكل متاعبه وآلامه يفكر بشكل جمعي، ويعمل بشكل فردي، وكان الأفضل أن يفكر بشكل فردي، ويعمل بشكل جمعي، وكأنه محتوم علينا كلما جاءت أمة لعنت أختها، ونسفت عملها، ولم تنصف جهدها، لذلك العرب هم وحدهم من يراكمون المشكلات، ولا يراكمون التجارب، ويحملونها معهم من عهد إلى عهد، فالعراق مثلاً بدلاً من التشافي والتعافي، ذهب في التشفي والتشظي، كان يمكن أن يبني دولته من جديد بفضل كل الخبرات وأفضلية التعليم ومؤسسات المجتمع بفعل التجارب السياسية والتنمية الاجتماعية، لكنه فكك كل تلك المؤسسات، وانتقم من الأفراد المنتمين وغير المنتمين، وكأنه يثأر من أعدائه، وإمعاناً في التجني، أدخل إيران للعراق، والتي لم تقدر عليه في حرب العشر سنوات، حصلت عليه إيران بجناية الانتقام من الوطن، وتفضيل الطائفية عليه من قبل أبنائه، كان أعداء العراق قديماً في الخارج، واليوم أصبحوا في الداخل، ويريد أن يتعافى، والمثل عندنا يقول: «إذا كانت علتك من بطنك، فمن أين تأتيك العافية»!
قطر بدلاً من أن تنصرف للتنمية، وبناء الإنسان والتعاون من خلال منظومة مجلس التعاون الخليجي، لأنه العمق الحقيقي لها، والسند لها في الملمات، فضلت اللعب منفرداً، وأحياناً بشغب مقصود، وبتشويه متعمد، فنقلت مشكلات كثيرة كانت في الخارج إلى جوف قطر، وحدث النزيف الداخلي.
اليمن غاب بين التخلف والجهل والاقتصاد المستنزف، وبين ولاءات لتجارب سياسية في الخارج بدءاً من روسيا والصين، والآن بفعل تصدير الثورة الإيرانية، فعاش الحروب والاغتيالات، وعدم الاستقرار السياسي، والفساد، وتردي أوضاع الإنسان اليمني معيشياً وصحياً وتعليمياً، فرضي أن يكون اليمن ساحة للاقتتال، لا بلداً ينشد التنمية الكاملة، ولولا جهود إخوته العرب لتحول بأكمله وتاريخه إلى فرع حزب تابع لقوة حرّاس الثورة، تماماً كما هو لبنان الذي كان مؤهلاً بعد الحرب الأهلية أن يقبل بأي تغلغل من الخارج يريد إفساد الداخل!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد