بقلم : ناصر الظاهري
بمناسبة انعقاد المنتدى الاقتصادي الدولي السنوي في دافوس أو ديفوس «Davos»، وبالرومانشية اللغة الرابعة في سويسرا «tavau»، وبالإيطالية «tavate»، كثيراً ما تلح عليّ الكتابة عنها بطريقة فانتازية، بالرغم من أنها مدينة وادعة على نهر طيب اسمه «لاندويسر»، له سيماء الجد العجوز الذي يتفقد بيوت الحارة بيتاً، بيتاً، غير أن هذه المدينة السويسرية التي تتحدث الألمانية ممنوعة على الفقراء شتاء، حيث يؤمها أغنياء العالم من محبي التزلج على الجليد منذ أزمان بعيدة، وقد ذكرها الروائي الإنجليزي «أرثر كونان دويل»، مبتكر شخصية «شارلوك هولمز» الشهيرة مكاناً للتزحلق على الثلج، ولعب «الهوكي» على الجليد عام 1889م، وسكن فيها الكثير من الكتّاب والروائيين العالميين ممن أصيبوا بداء السل في أواخر حياتهم، وبعد أن استهلك التبغ رئاتهم التي لم يرحموها لا نهاراً، ولا ليلاً، أما في الصيف فلا يحلمون بها، لأنها محوطة بالأثرياء واستراحاتهم الطويلة، فيجبرون المدينة على أن تتحدث بشكل فاحش، ولا تعرف الشفقة.
«دافوس» مدينة تبدو مطوقة بالمال، غير أن سكانها من البساطة بحيث لا يختلفون عن سكان أي قرية صغيرة بأخلاقها الدينية التي يتباعد عنها الناس جيلاً بعد جيل، أهلها يعتقدون أن الداخل لمدينتهم، إما من الأثرياء الذين يلمعون من بعيد، وممنوع الاقتراب منهم والتصوير أو من النصابين الذين يتشابهون مع سكان صقلية أو أولئك الإيطاليين المرحين دوماً خاصة في فترة الغداء، والذين يمكن أن يعزم عليك واحد منهم بطبق إيطالي حار، ويبيعك شيئاً لست محتاجاً إليه كثيراً في ذاك الحين، أما القادم لها فيعتقد لأول وهلة أن سكانها يمشون على عقارب الساعات السويسرية التي قلما تتأخر، وأنهم جميعاً مشاريع لصرافين، وفي الوقت نفسه أصدقاء دائمون للحاسبات الرقمية التي تعرف الجذر وتكعيبه وتربيعه، وروائحهم تشبه روائح ما بعد الحلاقة لموظفي البنوك المستعجلين دائماً نحو جهة ما، لا تدري أين.
لو أراد متسول دخول دافوس، فإنه سيجد الكثيرين أمثاله، لكن لن يعرفهم من أول وهلة، لأنهم يتخذون من البدل المستأجرة، والسيجار المعطوب بفعل الرطوبة التي تسللت له أو الجفاف الذي ألمّ به لإهمال واضح من مقتنيه، فتركه مشاعاً للخدم ليتظاهروا به مذكرين بنعمة ولي نعمتهم، ولو حاول مغامر محب للسفر أن يستقرئ المدينة بحيث يجعل فضوله يقوده، وتلك الروح التوّاقة للمعرفة هي مرشده ودليله، فإن كان متعافياً وتنضح خدوده بالنعمة، والصحة المتعوب عليها بتغذية سليمة، خاصة «الكالسيوم»، و«أوميغا 3»، فستكون له الأولوية، وسيعتقدون خاطئين من يحاولون التقرب منه أنه من الشرق، ويعني الخليج بالذات أو ليبيا أو الجزائر، وأن له صلات بمواد النفط أو الفوسفات أو الغاز، وشركاتها المتخمة.. وغداً نكمل
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن صحيفة الأتحاد