بقلم - ناصر الظاهري
«لا تدع الأشياء الصغيرة تدمر صداقتك الغالية مع الآخرين، فالصداقة الحقيقية تاج على رؤوس البشر، لا يدركه إلا سكان الجدران الخالية، وأصحاب القلوب الخاوية»، تلك واحدة من الحكم المرسلة التي سطرها تراث هذا الشعب العريق من خلال حضارته المتعددة وثقافاته المتنوعة وعلى مر العصور، فالصين بنت سورها العظيم حين شعرت بقيمة الدفاع، وخطت طريق الحرير حين رأت الخروج إلى العالم واكتساب مهارات مختلفة، ومعارف متعددة، وحين كانت الأمور تصل نهايتها، ولا بد من الحزم، وتجربة الحرب، حاربوا ودونوا ما يمكن اكتسابه من الحرب، وقيمة الاستعداد من خلال كتاب «فن الحرب» للفيلسوف والمحارب «سن تزو»، من الصين عرف العالم الحرائر، ومنها عرف المفرقعات، ومنها تسللت الكونفوشية، وفلسفة الحياة وتأملها، وقيمة الإنسان والوقت، منها ظهرت أول جريدة جدارية، ومنها عرف العالم الورق والأحبار، لذا كانت الحضارة الصينية حاضرة على مر التاريخ، وحين انهارت المعسكرات الشرقية والفكر الشيوعي، ونعت الاشتراكية، استطاعت الصين تجنب الانهيار، وانزلاق الأيديولوجيا، ووضعت أقدامها على عتبات العصرنة والتغيير بخطوات متدرجة ومدروسة، ونهجت الطريق الذي تعرفه لتفوق شعوبها ونهضة اقتصادها، وبروزها في المحافل الدولية في المجالات كافة، واليوم هي قوة من الحكمة، وتتمتع بحكمة القوة، فلا يضاهيها اليوم في متانة الاقتصاد والتجارة والقوة العسكرية، والتقانة إلا بعض القوى العظمى.
لذا تأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للصين تتويجاً جميلاً لعلاقة متطورة ومستمرة منذ الزيارات التاريخية للمغفور له الشيخ زايد، مؤسس الدولة، وباني نهضتها وعلاقاتها القوية مع الشعوب عامة، وهي زيارة لا شك مبنية على استراتيجية بعد الرؤية، وتنوع مجالات المنافع الوطنية، وتعدد بناء الجسور بين الإمارات ودول العالم، فبناء الصديق يريد سنوات طوالاً من التجربة والمعرفة وتبادل المشاعر، في حين خلق عدو لا يحتاج إلا لحظات غضب، وساعات جهل.
الصين الصاعدة بكل قواها المختلفة، وحكمة شعبها، وفلسفة قيادتها السياسية، وتخطيطها الاقتصادي المتأني، تجعلها واحدة من القوى العظمى في العالم، ومد جسور الصداقة معها لا شك يعود بالمنفعة على الجانبين، ويخلق روح التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية والصحية، وقديماً قيل «أدركوا العلم ولو في الصين»، واليوم الصين قادرة على تقديم الكثير والكثير، فقط ما نحتاجه بناء جسر، وعقول نيرة تبصر للمستقبل!