تذكرة وحقيبة سفر 1

تذكرة وحقيبة سفر -1-

تذكرة وحقيبة سفر -1-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 1

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

كثيرة هي الأشياء الجميلة التي نعود بها في حقائب سفرنا، ونستودعها الذاكرة إلى حين، منها المواقف الإنسانية، وحالات من النُبل والفروسية التي لا تستطيع إلا أن تتوج بها رأسك، ونماذج من الشخصيات والنفوس البشرية تعينك على تقويم الروح، والسعي باتجاه تطهيرها، ومن بين تلك الأشياء التي تخطر على بالك بعد سنوات من الترحال، وتستدعيها من أماكنها في الذاكرة، أصغر تفاصيل تلك الضحكات والنوادر، وساعات التجلي والانبساط، وحين يكون القلب أخضر على الدوام:
- كنّا مرة في زيارة لفنلندا، ذلك البلد الراقي في كل شيء، والذي يعد سقف العالم حين تطرح قيمة الإنسان وقيمه، ومعنى المسؤولية الاجتماعية، بلد لو سألت كم قانوناً وضع للمحافظة على الحيوانات الأليفة لأصابك العجب، يمكن أن يكون لديهم قانون يخص النوم في الحدائق، وقانون عن مستوى القرع على باب جارك في الأوقات المختلفة، وقانون يحذر من اللعب في الأنف أثناء وخارج الدوام الرسمي، وغيرها من الأمور التي يمكن أن تؤذي بها غيرك. في البداية لاحظت بعض التململ ظاهراً على الأصدقاء، وبدا لهم أن البلد لا يساوي سمعته العالمية، وأنه بعيد عن السياحة التي تخيلوها حينما تُذكر الدول الإسكندنافية، وما وصلت إليه من «التحلل والتفسخ» على رأي رجال التدين الذين يقرؤون ولا يفقهون، ويحاسبون الدنيا والناس والحياة من منظور ذكوري وأنثوي، والزائر لهذه الدول لا يرى إلا ما يعتقده أهلها أنه طبيعي وحرية شخصية، فإذا ما مارست المرأة الرياضة لا يُشبِّر الناس ملابسها، بل تحترم لأنها تحافظ على صحتها، وبالتالي الصحة العامة، المهم.. بدأ أصدقاء السفر يتذمرون، ويقارنون بينها وبين لندن، ويتندرون أن ليس فيها «سوالف وبهانس»، ولا تستطيع التحدث مع أي امرأة إلا بمنتهى الأدب والرقي، فبدأ صديقنا «محواث الضو» بدايته المعهودة: «يا خسارة هذا اللبس اللي لابسينه، إلا ولا واحدة قَبْلت صوبنا، ولا قالت لنا وين وجوه الركاب»؟ فتحول سؤاله، ومكنونات أنفسنا إلى جلسة تندر، فأول ما لفت نظري ارتداء «محواث الضو» لحذاء جلد تمساح، وصديق آخر جلد أفعى، والبقية من ما تضع الأَنْعَام على ظهورها وفي بطونها، وكأننا فريق أفريقي حضر تواً من العاصمة «كنشاسا»، فقلت مغاضباً الصديق اللبناني الذي يحب «الجخ»: أشعر بازدراء هذا الشعب لنا، ليس بسبب لون أو جنس أو معتقد، ولكن بسبب قبولنا انتهاك وإبادة حيوانات راتعة في الغاب، لكي نلبس أفخر الأحذية، ونتباهى، وهم لا ينظرون للشخص لطول سيكاره أو سيارته أو لقميصه الحريري، ولولا اعتبارات إنسانية لكانوا سفّروك من «الضحى العود»، لأن في رقبتك على الأقل ستة حيوانات نادرة. 
لَبد الجميع، وظلوا يفكرون في الماعز الكشميري والثعلب السيبيري، وفرو المنك، والجنجيلا، والدب القطبي، وما أكل السبع، وقررنا، منذ خبرنا أن الجماعة هنا يمقتون قاتلي الحيوانات، والذين ينعمون بأصوافها وجلودها، أن نغير من طباعنا، واكتشفنا كذلك أن مشيتنا تختلف حين ننتعل من جلد الذئب القيوط أو من الزاحفات على بطونها، فتميل حركتنا في إيقاعها إلى حركة المستأذبين أو الزواحف، فرجعنا للأحذية الرياضية، ليس خوفاً من الغرامة والمصادرة، ولكن هنا البهدلة الاجتماعية أقسى من أي غرامات، كأن تكنس مدرسة ابتدائية في منتصف العام الدراسي أو تلقي دروساً إرشادية لنزلاء سجن جلهم من المهاجرين الذين جربوا التهريب لأول مرة، وأعتقد جازماً، وهنا الكلمة آتية من «الجزمة» أن لا أحد من رفقاء السفر إلى فنلندا جرب أن يأخذ معه تلك الأحذية التي تتبع حديقة الحيوانات العامة إلى أي بلد أوروبي، وبعضها ظلت في مخبئها المخملي الذي يشبه جحر الضب، وسكنت في الخزانات العلوية دون أن نتأسف على سعرها أو نتذكرها للأبد.. وغداً نكمل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 1 تذكرة وحقيبة سفر 1



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية

GMT 02:08 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

اختاري عطرك بحسب شخصيتك

GMT 10:38 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

بروتوكول لإنشاء محطة لتحلية مياه البحر بقيمة 200 مليون جنيه

GMT 23:49 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تتويج السوري عمر خريبين كأفضل لاعب في آسيا لعام 2017

GMT 11:51 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يشيد بجهود شما المزروعي في دعم الشباب

GMT 03:12 2016 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

كعكات الموز والشوفان الصحية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates