نوافذ مواربة على الحياء

نوافذ مواربة على الحياء

نوافذ مواربة على الحياء

 صوت الإمارات -

نوافذ مواربة على الحياء

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

- لا أدري من هو ذاك القائل: إن من اخترع النافذة في البيت، إما أن يكون سارقاً أو عاشقاً، غير أن النافذة ستبقى عيننا الثالثة على الشارع، تطرد السارق، وتواري خجلها من العاشق.
- نافذة يتعرق على جنباتها قطر الندى، وبَلّ الصدى، قد تستدعي طائراً جاء به جناحه ليسمع تنهدات المسافات لتلك الحالمة في سريرها، وقد يرشف قطرات ماء ظلت ساكنة على سطح النافذة تنتظره، قبل أن يطارد الريح.
- نافذة مواربة على أحزان تلك السيدة الجميلة، والتي تفرق عنها عشاقها بعد أن وسمها الزمن، وتربعت على سمنتها، واجترار قصص بقيت خالدة في زوايا الرأس، داعية لو يعود ذاك الرجل الذي كان يكحل عينيها إن مر تحت نافذتها، والذي غادر زمنها بخجله خلسة، وتماهت هي مع ضحكات وعطور الطارقين ليلاً، اليوم لا أحد يؤنس وحدة تلك النافذة المتوارية في السواد، ولا أحد يقول: صباح الخير أيتها السيدة الجميلة.
- نافذة معلقة ومطلة على نهر السين، كانت تستيقظ وصوت فيروز الذي يشبه نكهة القهوة الساخنة يحاذيها، كانت تفرح بزهر التوليب الأصفر إن ساكنها، كانت تُسرّب من الشارع في أنصاف الليالي الباردة تعتعات سكارى باريس وعشاقها، وكانت تغرم بالمطر إذا انهمر، كانت تبدو لامعة إذا ما غنت «اديث بياف» بصوتها المشوب بالتبغ، ورائحة الخشب في مساءات خريفية، لا شيء كان يجلب لتلك النافذة الباريسية طعم الكآبة، مثل نهار أحد رتيب، غابت شمسه، وخلت الطرقات من دبيب العافية بالناس.
- نافذة في قطار سريع، كانت تودع تلك القرى الريفية الوادعة على منحدراتها وهضابها بعجالة زائفة، وكأنها تنفض غبار المسافات عن وجهها، مرتسمة عليها صورة متلألئة ومغبشة لرجل أثقله الوقت، وخطايا الناس، وكان يريد لو أن طي الطرقات يكف، ويقدم لكل قرية من تلك القرى باقة ود وورد، ويتأمل العجائز في مشاويرهن المتأنية التي لا تنتهي، مناكفات الكبار المتقاعدين على مقاعد الأرصفة والحدائق، متذكرين بطولات من وهم، وكل منهم يريد لنفسه الغلبة والنصر، صبايا بملابسهن الفلاحية، قاطفات العنب وعاصراته، ورائحة تعبهن التي تشبه فوحة الزهر البرّي، لو أن تلك النافذة في ذلك القطار كانت تفتح قليلاً، لأن للريف عطر الأرض، وغدق السماء.
- نافذة من زجاج سميك لا تعرف الشفقة، وخلفها رجل يسجن نفسه بلباسه غير المريح، حتى يكاد أن يسمن عليه كل يوم، يظل يعد أموال الناس، ويفرح بالغمط والمراباة، وتصيد الخطأ في الأرقام، تلك نافذة لا توحي بالتأمل، ولا قراءة وجوه الناس بود، تفح منها رائحة البنكنوت، وتلك الأربطة البلاستيكية، وكأنها نزعت من عروق يد إنسان، نافذة المصرف وحدها التي لا تعرف الضحك ولا الغناء ولا همس المودعين، ولا حتى قول: صباح الخير أيها الفرح، دون «فائدة»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نوافذ مواربة على الحياء نوافذ مواربة على الحياء



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية

GMT 02:08 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

اختاري عطرك بحسب شخصيتك

GMT 10:38 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

بروتوكول لإنشاء محطة لتحلية مياه البحر بقيمة 200 مليون جنيه

GMT 23:49 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تتويج السوري عمر خريبين كأفضل لاعب في آسيا لعام 2017

GMT 11:51 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يشيد بجهود شما المزروعي في دعم الشباب

GMT 03:12 2016 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

كعكات الموز والشوفان الصحية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates