تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة وحقيبة سفر -2-

تذكرة وحقيبة سفر -2-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

من بين تلك الأشياء التي تناديك من بعيد في تجوالك في المدن الكثيرة، ملقية عليك شيئاً من ثقل محبتها، والشغف بمشاهدتها، وخلق ذاك الحوار بينك وبينها.. مثل موسيقيّ يبيع النغم على زاوية من الطريق، مثل صبية تبيع الورد والبسمات وهي تذرع الأرصفة، مثل رسام سكّير يفترش لوحاته، مثل مطعم عائلي صغير يكفي لعاشقين، هناك غيرها التي تحرمك من العبور:
- ساعات المدن، تلك الحارسات الدهريات للزمن، علاماتها البارزة، هي تاريخ معلق على الجدران، وشاهد على أحداث المكان، رأت المدن في حزنها وحربها وفرحها، وحين يسكنها الذعر، ويتسيد الظلم، أغرمت بها منذ الصغر، حين رأيت ساعة «بغ بن» لأول مرة، بحجمها الشيطاني، وأصبحت محط عدستي أينما صادفتها أو قصدتها عنوة، خلف تلك الساعات، هناك حكايات تسرد، وهناك ذكريات منها حملها المسافرون الزائرون في حقائبهم، وفي خلفيات صورهم.
- يسرقني منظر الرجل العجوز بلحيته البيضاء المرسلة على الصدر، ومشهد العصا المرتجفة في يده، والتي تقود خطواته، فأتبعه بشغف المتأمل، وفرح الحفيد، ويكون بودي لو أتحاور معه، غير أن ما يرجعني كثيراً، الخوف أن أجرح خصوصيته الهرمة، ووتيرة إيقاعه الذاهب في السكينة.
- العتبات الباردة للأبواب الخشبية في القرى الجبلية أو تلك المدن المطلة ببهجة على البحر، وصفّ من الجارات، قائمات وقعوداً، وثرثرات لا تنتهي، عادة ما تكون مكررة أو قصصاً متشابهة أو منسية نهاياتها، لا يتركن ذلك المشهد غير الخالي من نميمة إلا إن غابت الشمس أو شعرن بلسعة برد لا تتحمله عظامهن الهشة.
- النافذة الخشبية الزرقاء المواربة على فتاة تتكسل في «بيجامتها» القطنية، والتي تحرسها أصص زهر وورود، وثَمّ عصفور محب اعتاد أن يمكث قليلاً عند محبس الماء، يسلم ويطمئن ويطير، تاركاً غصن الوردة يرقص مودعاً، خطوات مارّة تسمع على الرصيف، وخيط من الحكايات غير المنتهية يسحبه معهم المارّون، من تلك النافذة المواربة، تتمنى تلك الفتاة التي كانت تتكسل في «بيجامتها» القطنية أن يمر فارس على حصانه الأبيض بجوارها، ويقطف وردة، ولا يذهب بعيداً عن نافذتها.
- يستوقفني الحانوت الذي له رائحة القديم، دائماً ما يخبئ شيئاً جميلاً، يمكن للمسافر أن يحمله في حقائبه، خاتماً بحجر وحرف صوفي «هووو»، كتاباً نادراً في ورقه، سبحة من عجينة أو كهرمان، متعلقات عزيزة تخلى عنها أصحابها في وقت الرحيل أو العوز، مثل سجادة عجمية، وربما تحظى بذلك البائع الذي هرم داخل دكانه وحده، ولديه ما يقوله، ويدهشك، ويحفر في ذاكرتك.
- تجاعيد الوجوه الإنسانية كأرض متشققة من حرقة العطش، وقسوة مجالدة الحياة، وخطوط الزمن الهارب، تجمدني تلك الأشياء، صانعة تلك الرجفة والرهبة أمام هذا الزمن المنفلت، والذي كان فراغاً، فامتلأ بالإنسان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية

GMT 19:39 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

٣ خلطات للوجه من الخميرة لبشرة خالية من العيوب

GMT 15:58 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

لوتي موس تتألق في بذلة مثيرة سوداء اللون

GMT 17:22 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فتيات عراقيات يتحدين الأعراف في مدينة الصدر برفع الأثقال

GMT 09:17 2021 الجمعة ,21 أيار / مايو

4.1 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates