بقلم : ناصر الظاهري
«يا جماعة.. هذه أفريقيا، والله ليطبخونكم في مرجل عود يوسع جمل»، ضحكنا على تلك الصورة النمطية في الأفلام المصرية التي كنا نشاهدها حينما تكون البطلة والبطل بـ «شارلستون والصدرية الضيقة والباروكه»، وهما تائهان في الغابة، ويلقي القبض عليهما، ويحضران عند زعيم القبيلة بوجهه المخطط، وصدره العاري، ومستعد أن ينقضّ على لحم بني آدم، ويقرض عظامه، زدت على الصديق الفَرَوق: «أفريقيا ليست الأفلام، وإنْ كان في بعض بلدانها أكثر من الأفلام، لكن من واقع الحال، لازم ما نأكل كل شيء يحطونه لنا، ترانا ما نعرف الفرق بين لحم الثيران من لحم الحيران، وإلا يقدمون لنا بيضة ديناصور، نتم نقشرها طول النهار، وما تخلص»، صاح الذي يشكو من حموضة دائمة في المعدة: «الله يغشكم على هالسفر»!
استحسنا رأي الوضع الكشفي: «كنّ مستعداً دائماً»، وحزمنا حقائب السفر أو «بيكات الدَوّرية» فقد كان كل شيء يشبه الخيار العسكري، والملابس الكاكية، وعدة التخييم، وأن لا مجال لأي تهاون في مسألة الصحة، والاحتياطات الأمنية الشخصية، ومسائل تخص الأكل الجاهز مثل: الأجبان، والعصائر، وحبوب الفيتامين، وتوكلنا على الله.
حاولت أن أطَرِّي الجو، مازحاً: «ليش تشوفون أفريقيا بنظرة سوداء، كحلاء»؟ فكنت كمن استفزهم: «لاه.. بالله عليك.. كيف تبانا نشوف أفريقيا بنظرة وردية حالمة، والشدق والناب هالكبر، والجبهة دوم تَصِلّ عرقاً»!
كنت أدعو أن لا نواجه أياً من معضلات السفر، لأن جماعتي سيضربونها في أربعة أضعاف، فأي مطب تتعرض له الطائرة، فسيلوموني أولاً، ويلومون المهندس والطيّار تالياً، وإنْ حاول ضابط جمرك المطار على ما اعتادت يده عليه من «شفايا» المسافرين، فستبصر عيونهم تتطالع، وتطالعني بشرر، وإنْ زاحمتهم أكتاف الأفارقة العريضة والإسمنتية، والتي تخبئ عطور بهاراتهم النفاثة، فستجد ربعك يريدون أن يرموك بحجر جرم النية السيئة، ما ناقص إلا كلام ذلك الذي يتأمر، ولا يريد أن يقص تذكرة درجة رجال الأعمال، يحب كل شيء على كيفه، ولا يريد أن يدفع فلساً زائداً، حينما أصر أن يصلي العصر فرداً، وعاند جمعها معنا، ونطق كفراً: «يا أخي حمامات الطائرة ما تنطاح عقبهم.. عطنة»! فأسررتها في نفسي، وحينما غاب اغتبته: «هذا الخِمَامّ قصوره يريدني أشتغل «سويبر» عنده».
حللنا بأرض أفريقيا، فإذا بها ليست مثل الأفلام، الغابات منحسرة لصالح الإسمنت والزجاج، والشوارع نظيفة، وابتسامات الأفارقة تضيء وجههم، وتكشف عن نصاعة أسنانهم، وثمة فرحة في قلوبهم، ودفء في استقبالهم، وثمة نساء كأعواد الأبنوس، والحياة عندهم ملونة بإيقاعاتها، فبهتنا.. وقلنا: «فيفا.. أفريكا»!