بقلم - ناصر الظاهري
ميزة صديقنا صاحب الأحلام القاتلة أو أفلام الخيال العلمي، أن ذهنه دوماً يقظ، ويفلسف الأمور، ويربطها بالكون والطبيعة الإنسانية، كثير من هذه الأمور واضحة بالنسبة له، وأشياء كثيرة في الدنيا حسمها مبكراً، بلا رجعة ولا توبة، لكنه لا يترك عنه ذاك الخيال السابح كغمامة تظلل رأسه، مثلاً كأن تكون معه في رحلة جوية، بعد الانقضاء من إجراءات المطارات التي يكرهها حد الغثيان، مثل الذي يسحب جيفة، ودائماً ما يتمناها وإجراءاتها أن تكون مثل الركوب في حافلة عامة، المهم ما إن يرتخي قليلاً حتى تأتيه الوساوس فجأة، فيعمل للطائرة المتوجهة بحفظ الله وسلامته، بقيادة الكابتن «ماكنري» إلى مطار «هيثرو» عدة سيناريوهات، فلا يستبعد الخطف والإرهاب، لأن لندن تؤوي الإرهابيين وتعاملهم مثل أطفالها اليتامى، ولا يستبعد الأعطال الفنية، خاصة إذا كانت الطائرة مقلعة من مطارات دول فاسدة، ويحبون الـ «كاش موني»، حيث لا توجد مسؤولية تجاه الإنسان، ولا مساءلة قانونية تجاه الأخطاء، ولا يستبعد حتى الأخطاء الإنسانية التي يقع فيها الطيارون أنفسهم بعد ساعات طيران طويلة، إذ يشعرون بالملل والإحباط، وينهون مستقبلهم الوظيفي في الجو، حيث قضوا فيه أكثر من وجودهم على الأرض، مرات كثيرة يكون في مطعم فاخر، ويرى وجه نادل لا يرتاح له، فيشعر أنه تشاجر مع المدير مرات، ويعيش في ظل توتر عائلي، ويمر في الوقت نفسه بضائقة مالية، نتيجة متطلبات الزوجة، فيقوم النادل في ساعة جنون، ويلوث الطعام بأي ميكروب أو يلوث المشروب بقطرات من بوله الساخن، كل هذه الأمور يعدها من الممكنات، ومن تداعيات الضعف الإنساني، يكون في مقهى ويدخل واحد أصهب من سائقي الدراجات النارية ذات الصوت العالي، وزنده كله وشوم خضراء، وعاقد شعره مثل ذيل الفرس القزم، ورابط رأسه من غير وجع، ومثل هذا أكيد سكران من أول أمس، ويريد أن يتشاجر لعدوانية فيه ظاهرة، فيقوم ويكسر زجاجة ويهدد بها، ثم يتناول زجاجة ممتلئة ويرمي بها نحو رؤوس الزبائن الغافلين، وأول رأس مرشحة لسيل الدماء رأسه الحاسرة، والجاهزة باستمرار.
تمر إنجليزية لطيفة من الأوليات اللاتي يشبهن الريف الإنجليزي، بذلك الفستان الفضفاض المرسوم بالورود، ورائحة الصابون البرّي تتبعها، وهي تنزه كلبها المدلل على الرصيف، فيتخيل أنه كلب مسعور، ويمكن أن ينقض في سهوة من صاحبته التي تتمتع بمضغ العلكة على ربلة أو بطة رجله التي تشكو التشنج باستمرار، صديقنا لا يحب أن يمر بجانب بناية تحت الإنشاء، فلا يضمن ما يمكن أن يتساقط عليه منها، خاصة أن جل العمال لدينا غير مهرة، وآتين من بلدان مكتظة بالسكان، يعني «نفر واحد ناقص ما في مشكلة»، وأقلها أن ينفلت «الكرين» بما يحمل من خرسانة إسمنتية جاهزة الصنع عليه وحده، تماماً مثلما يخاف ويحلم من الخوف دائماً أن أحداً ما سيدس مخدرات في ثنايا حقيبته المسافرة معه، ولن يعرف ما يقول حينها، فقط بقي أن أسافر معه بعد وباء «كورونا» في إحدى السفرتين المؤجلتين، واحدة لأميركا اللاتينية، والأخرى إلى اليابان وكوريا، وأعرف هل زادت الأحلام القاتلة بعد الجائحة؟ وهل غذى «كوفيد - 19» خياله العلمي نحو الوفيات المجانية الوهمية، تحية لذلك الصديق اللابد الآن، والممتع في السفر.