بقلم - ناصر الظاهري
بعض من الأفراد يوازون حجماً، حجم المؤسسات التي يديرونها، لا تضيف تلك المؤسسات على حجم الأفراد شيئاً من سطوتها، ولا مزيداً من هيبتها، بل هم من يضيفون إلى حجم المؤسسات شيئاً من التقدير والرفعة، وتلك المهابة التي لا يتمتع بها إلا القليل من البشر، مثل هؤلاء يأتون ثقالاً بما يحملون من أحلام وأمنيات نجاح، ويذهبون خفافاً بعد أن ينجزوا الوعد ويوفوا بالعهد، لا أحد يستطيع أن يقول شيئاً غير التبجيل والتقدير لتلك المرأة الألمانية التي كانت توازي بلداً، وتتعهد ألمانيا بكل حملها وتأثيرها الصامت، «ميريكل» امرأة من صلب وحديد حين تريد، وامرأة من نعيم وحرير حين تريد، هكذا هن النساء اللائي يبزّن الرجال وشواربهم، لا أحد يقدر أن يقول عنها أنها ليست امرأة، وهي الولود وكل فعلها محمود، ربت ستة أبناء، وظلت صديقة لزوجها، لكنها أدارت بلداً بحجم ألمانيا، وحجم دورها في أوروبا، ولا أحد يقدر أن يقول إنها لا تهتم ببيتها كأنثى، فهي التي تتقضى مشترياتها بنفسها، وهي التي تطبخ بنفسها، لكنها إن دخلت مكتبها، دخلته بتلك الهيبة التي تأتي مع الثقة بالنفس وحدها، وتأتي من فهم الحياة، ومعنى الواجب الوطني، رحلت «ميريكل» بهدوء، خفيفة من أحمالها وأثقالها، باتجاه منزلها وحياتها العائلية البسيطة، بعد اطمأنت أن من تخلفها هي أشد منها صلابة، وأصلح للبلد، لم تنتظر «ميريكل» هتافات في شوارع الغوغاء، هاتفين: بالروح بالدم نفديك يا «ميريكل»، ولا «ميريكل» زعيمتنا إلى الأبد، ولا نعيق المدّاحين والمنافقين والمنتفعين: «ليس في هذا البلد غير هذا الولد»، رحلت تلك المرأة الجميلة بروحها، واحترامها بعد أن صفق لها الشعب الألماني دقائق وداع، لا ساعات بكاء، فألمانيا قوية بإنسانها ونظامها ومؤسساتها القوية، وبتلك الروح العالية والوطنية.
- بعض مؤسساتنا خابت في هذا العام غير العادي، وأظهرت ضعفها، وعدم قابليتها لتجاوز الأزمة، وقبول التحدي بالعبور لمرحلة جديدة من التعافي والانسيابية والعمل عن بُعد، دون المساس بمصالح المتعاملين والأفراد أو الإضرار بسير العمل فيها، ودون خلق الأعذار والتماس المسببات، وتقديم المبررات، مثل هذه المؤسسات عليها أن تراجع نفسها قبل أن تقتلعها عاصفة قادمة، حيث لا مكان في الإمارات التي قبلت التحدي، وقبلت التميز، لأي مؤسسة كسولة أو تتكاسل أو مؤسسة هرمة متكلسة أو تتقاعس.
- عندي اقتراح للاحتفال بنهاية هذه السنة الكبيسة أن لا نشعل شموعاً، وأن لا نطلق ألعاباً نارية، ولا حتى نذهب في الرومانسية الجميلة بعشاء منفرد، وعزف موسيقي وورود، ولا كل ذاك الصخب الذي يحدث عادة ليلة رأس السنة، الأفضل أن نذبح ذبائح ختاماً لهذا العام المنصرم، دفاعة بلاء عنا، وعن عافيتنا، وعن كل ما مر بنا، واستهلالاً بعام جديد ومختلف، وبدون كمامات، ولا معقمات، ولا مطهرات.