السعن القديم

السعن القديم

السعن القديم

 صوت الإمارات -

السعن القديم

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

لما يطلب منك بعض أصدقائك العطاشى آخر الليل «كرتون ماي صحة»، وأنت لا تعرف في تلك الأمور التي يتقنها آخرون بحرفية متناهية، يعني مثل سعر ربطة الخبز أو «كرتون ماي الغراش» أو سعر أسطوانة الغاز أو كم تسعيرة البترول هذا الشهر أو في الأشهر الفائتة، أشياء صغيرة ومهمة ولكني أجهلها وأخجل أن أسأل عنها، وإن عرفتها مرة، فسرعان ما أنساها أو أتخربط بين الاختيارين اللذين في الرأس، وأعتقد أن كليهما خطأ، المهم بعض الأصدقاء متعبون فعلاً، ويحرجون جهلك بتلك الأمور، فكل شيء عندهم يعتمد على مبدأ، «العن أبو الفقر، وفالكم طيب»، يعني مثلاً، ما دامك في أبوظبي اخطف على مخبز «زهرة السعادة» وهات لك كم ربطة خبز، كل هذا على أساس أن مخبز «زهرة السعادة» جاري أو أني كثير التردد عليه، خاصة وأنا ما زلت مخلصاً لمسميات شوارع أبوظبي في السبعين، طلب أصدقائي المتعبين هذه المرة «كرتون ماي»!
تدخل على وجهك أول بقالة تصادفك في الشارع، وتجد ثلاثة أنفار من الساحل المليباري يتشابهون، أحدهم نسيب الآخر، ولا يكن وداً لأخته التي تغيرت بسرعة بعد أن تزوجها معتقداً أنها تشبه ممثلات أفلام بومبي، والآخر يحاول أن يبني أولى علاقاته الغرامية بعد أن استقر في الخليج، المهم تدخل وأنت في كامل لياقتك البدنية والنفسية متحصناً باللغة، وبالجهل عن سعر «غرشة الماي»، فتنتقي أضعف واحد فيهم، وتسأله، مشيراً بأصبعك دليل الثقة لتوهمه وترهبه: «كم سعر كرتون مثل تلك القنينة»؟ وحين سمع القنينة، أدرك جهلك، وكاد يسمن وقتها، وقال بسرعة خاطفة: «الكرتون بـ 36»، وانصرف لخدمة زبون آخر، وطلب من الشخص الثاني أن يحضرها، وحين أحضرها الثاني، والذي ما أزال أعتقد أنه على وشك فراق قريب من زوجته، طلب 42 درهماً، فأضمرتها في نفسي، وحين وصلت للثالث المحاسب قال: «خذ كرتونين بخمسين درهماً، أحسن لك»، فخطر ببالك، أن ليس كل الماء بسعر واحد، فلكل كرتون سعره، ولم تدرك كيف كانوا يتلاعبون بك، لاكتشافهم جهلك لسعر شيّء معروف، وأحياناً يبيعونك بسعر السيارة التي تركبها، وأنت بطيبة نيتك كنت تعتقد أن: (الماء اليوم اختلف، فهو ليس بـ «الوَرّة» أو تأتي به «فوزه» يسوقها أحمد الصومالي الطيب، الآن الماي في زجاج شفاف، والشفاف شغل غراش، والغراش مب بلاش، وقلت متفكراً في زمنك ووقتك: ربما سعر ماء «الخريجة» يختلف عن سعر «ماي الفنطاس»، والذي كنت تشربه من «ولف بن هَيّاي» في طريقك إلى أبوظبي يختلف عن «ماي صحة لبنان»، الحين الزمن تغير، والماء بعد تغير، وتساءلت: لو كان ماي شريعة الهيلي وإلا المعترض صَبّوه في غراش، لكانت يغمة الماي بذيك الحجيّه، رحم الله أيام اليحله، وحِبّ الماي في الظلة، زمان اللي يشرب من «الجيك» يعتبرونه فناناً ومثقفاً، وصار اللي يشرب من ماي صحة لبنان يعتبرونه راقياً، ومن قوم هلو بيروت من فضلك يا عينيه)!
خرجت من تلك البقالة، وأدركت أن كل الأشياء تغيرت بما فيها الماء، إلا أنت باقٍ على وطرك الأوليّ، وعلى مسميات شوارع أبوظبي في السبعين، وعلى السعن القديم!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعن القديم السعن القديم



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 18:59 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"حقيبة الأبط" تتربع على عرش موضة خريف وشتاء 2018

GMT 01:19 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

محمد رشاد ومي حلمي يتفقان على إتمام حفل الزفاف

GMT 20:07 2015 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

شركة "سامسونغ" تطلق غالاكسي في بلس" في ماليزيا

GMT 15:47 2014 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

شركة Xolo تطلق هاتفها الذكي متوسط المواصفات Opus 3

GMT 18:19 2013 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

ترجمة لکتاب صید الخروف البري لهاروکي موراکامي

GMT 10:07 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

استبعاد ياسمين صبري من مسلسل ظافر العابدين

GMT 12:50 2013 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

إعادة طبع رواية "التراس" في حلة جديدة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates