بقلم - ناصر الظاهري
تشكل سماعة النقّال الصغيرة أم خيط نايلون، والمختبئة تحت الغترة أو الشيلة، وسماعة «البلوتوث» التي لا تبين، والمتوائمة مع استدارة الأذن، حرجاً ما بعده حرج، فمرة ترى الشخص يتكلم وحده، فتذهب بك الظنون نحو الجنون، ومرة تراه ينازع النقال، وكأنه عدو مبين، ومرة ترى زرافات من الشباب وجميعهم يتكلمون في نَفَس واحد، وكأنهم جوقة موسيقية ليس بينهم «هارموني»، فتعفدّ في وسطهم دالياً بدلوك.
ومرات يستوقفك صوت شخص، وهو يقول: «مرحبا»! فترد عليه بصوت مفاجئ وقوي: «مرحبتين الساع»! وتبدي له ابتسامتك الحامضة، على أساس أنه معرفة قديمة، وتبدي اعتذارك بطريقة لبقة، فيتوقف الرجل، وتقترب منه أكثر، وهو شبه جافل، فترشه بمحبة على الغشم على الطريقة العيناوية، وبعد السلامات والتحيات، وأنت تحاول أن تتذكره بسرعة، يودعك بإنكار، مكملاً محادثته الهاتفية، معتقداً أنك من «الطلابين»، فتتصلب في مكانك «خرساناً» تتصبب.
أما الأكثر إحراجاً، فهو أن تمر بجانبك فتاة متغشية، وتسمعها فجأة تقول: «كيف حالك غناتي.. شو أخبارك عيوني، فديت هالويه»! فتقف متسمراً، وتشعر بتعرق مفاجئ، فترد عليها التحية بأحسن منها: «الحمد لله.. الله يخليك»! فتتوقف مصدومة، وتظن أنك قليل الأدب، وهذا أضعف الإيمان، وأنت تتحسب أنها وقفت من أجلك، فتقترب نحوها بخطوات الكشافة الوئيدة، وتحدثك نفسك الأمّارة بالسوء دائماً عن الأماني والأغاني، وتكمل حديثك معها: «كيف حالك أنت.. اسمحي لي ما عرفتك من الغشوة»! فتزوّر بنظرها عنك، وترد عليك من دهشتها: «وايه·· فقدت هالويه·· شو فيك أنت ما تستحي، ما عندك شغل»! فتحاول لملمة ماء وجهك المراق، وتدرك حجم الحرج الذي وقعت فيه، فتقول لها: «آسف يا أختي.. والله افتكرتك تكلميني»! فإن كانت بنتاً متفهمة، فستنصرف وهي تقول: «خلّ عنك هالحركات، تراها مب علينا»، وإن كانت بنتاً تحسبك كنت تعاكسها، وقد فرحت بذلك قليلاً، فستسمعك كلمات هجومية مباغتة لجرّ قدمك، وحين ترى خيبتك بادية، وتلعثمك واضحاً، تنصرف لاعنة حظها الأعوج هذا اليوم، وإن كانت من البنات اللاتي لا يبالين بسواد الوجه، فسيرتفع صوتها متحسرة على الشرف الرفيع والكرامة المهدورة والفضيلة الغائبة، بعدها ستكيل لك كلمات فيها: أمك.. أختك.. على الذي جاء بك!
ستحاول الهرب معتذراً بلباقة لا تفيد حينها، هارباً ببقية الكرامة، التي إن بقيت أمامها أكثر، فستتبعثر أمام السادة المتفرجين الأعزاء، والمشاهدين الكرام الذين يحبون «الطماشه»، ولا يستبعد أن يظهر من بين الصفوف واحد من «الأخوان» - أقصد أخوان شما- أو واحد ممن يتشدقون بأنهم لا تأخذهم في نبذ الرذيلة لومة لائم، على أساس أن أخا شما من المتطهرين، ومن غاضي البصر، وعلى أساس أن أبا قَتَادة، مكتفٍ بما أتاه الله في هذه الدنيا من نصيب، فيلقنوك دروساً في الأخلاق الوطنية، وحصصاً في التربية الإسلامية!