بقلم : ناصر الظاهري
مرة.. عرضت عليه صكاً لفك رهن البيت، فأجلّها، وغالب دمعاً نزل متأخراً، ومرة سمع أنها تريد أن تخرب البيت، فأكبرها عن ذلك ورفعها، فلا هو قادر على أن يصدّق ما عرضت عليه، ولا قادر على أن يصدق ما يتلى على أذنيه!
مرة.. سمع منها عن أناس يعرفهم، سيرتهم حميدة، ومكانتهم رفيعة، تعدهم عاديين ومملين وأجلافاً، ويمكن أن يخدعوا، فلا عرف أن يصدّقها، أو يصدق من عرف!
مرة.. سمعها تشبك الحروف، وتخلط الأمور، فلا النوح نوح، ولا الترنيم لشاد، فضاق به المتنبي على رحابة لغته، والمعري على اتساع فلسفته، فلا عرف أيصدّقها برأسها المشتعل، أم يصدّق أولئك الأولين الذين حرّكوا الرأس بضجيجهم وأسئلتهم متعممين.. متعمدين!
مرة.. أسقطت هي إماماً، وضعّفت حديثاً، فلا أنصفت الإمام، ولا أسندت الحديث!
مرة.. حدثته عن أزواج واقفين على طوابير الوقت، وعشاق واهمين منتظرين على رفّة الجفن، فلا رآهم، ولا رأى ملكاتها السابحة في ضباب الهيام!
مرة.. جاءت واحدة لهذه المدينة كعصفورة تتنطط، لا يحملها إلا جناحاها الكسيران، ونظرات الود التي يمكن أن تخدع، ظلت تعيش فترات الزهو بتعثر، وإلى أن عرفها الجميع، كانت مثل زجاج يتكسر!
مرة.. جاءت واحدة معتقدة أنها يمكن أن تجندل الرجال، فلا عرف عنها غواية كاهنات المعبد، ولا نضارة عاصرات العنب، ولا عطر تلك التي يمكن أن تغار منها الزهور في صباحاتها، جاءت وجلست ثم غادرت دون أن تترك عطراً لها في قلب رجل!
مرة.. جاءت واحدة، واعتقدت أنها أميرة المدينة، كانت لها طقوسها دون أن تدفع ضريبة المدينة، لها أجواؤها بعيدة عن نظرات المدينة، عاشت في ظل الأميرة حتى غادرت وحيدة بعيدة عن ظلها وظل المدينة!
مرة.. تخالفت على المدينة أربع نساء من جوانبها الأربع، فلا الآتية من الشمال بمشاريعها الوهمية، ونظرات الاستصغار صدّقها البدوي، ولا الجنوبية الآتية بتضاريسها الواضحة أقنعت البدوي، ولا تلك الشرقية المتعالية عليه، وعلى طاولته العامرة اعتبرها البدوي، وحدها الغريبة الغربية ظل يجلّها لأنها واضحة في المرآة!
مرة.. قالت واحدة، وأفحشت، وسهام الخير حولتها لصدره بالشر، فلا عرف السبب، ولم يبادلها السب! مرة.. جاءت واحدة صغيرة، تريد أن تتكسب، فلا العمر سمح لها بالمغامرة، ولا الليل يمكن أن يستر، كان يمكن أن يصوغوا كل الأمور، ويصبغوا كل الأشياء، ويركبوا على ظهر البدوي المدبر!