بقلم : ناصر الظاهري
في هذا العالم المترامي الأطراف، والمختلف الأجناس والأعراق، والمتقاتل دينياً وطائفياً وقومياً، ويغلف كل ذلك بمسميات أخرى، كاختلاف المصالح، وتعد على المنافع، وبدافع من الوطنية، وأحياناً كثيرة بهدف السيطرة، وامتلاك القوة، هذا العالم المتحارب لن يجد نقطة توحّده، وتدفعه للعمل وتحقيق الأحلام مثل التسامح، هو مربع محبة وسلام، ودائرة تلاق يجتمع فيها الجميع، ويشعرون بالهدوء والسكينة والألفة والمساواة، ليس هناك من أمر في هذه الحياة، مثل التسامح، هذا الأمر الذي ما دخل في شيء إلا زانه، ولا خلا من شيء إلا شانه.
والتسامح قيمة إنسانية عليا، لا تتأتى لكل أحد، وتحتاج لكثير من الوعي والتربية والأخلاق، ومثلما يتميز بها بعض الأفراد عن غيرهم، كذلك تتميز بها بعض المجتمعات عن غيرها، لذا تحرص الدول المتقدمة، والساعية لتكوين مجتمعات مدنية إلى هذا المبدأ، ليكون من ضمن أسس وقواعد العقد الاجتماعي، وركيزة من ركائز دساتير الدول، ولو نظرنا لمجتمع مثل المجتمع
السويسري، وأردنا أن نعرف ماذا يميزه عن غيره، ولِمَ هو مستقر منذ ستمائة سنة، ولم يدخل حروباً؟ ما وجدنا جواباً على تلك الأسئلة غير التسامح، هو وحده الذي يسيّر المجتمع السويسري، وينظم أموره، ويجعل من الناس مختلفين.
لقد أحسن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حينما أمر قبل سنوات أن يقام نصب لكلمة التسامح، بحروفها التي يجتمع الناس على فهمها ككلمة عالمية «Telerance»، لتحتل مكانة في العاصمة قبالة ديوان ولي العهد، لم يكن هذا النصب آتياً من فراغ، إنما هو ترجمة لسياسة الإمارات، ونهجها، وفكر قادتها، وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه،
الذي عاش على حب الناس، فأحبه كل الناس، ونادى بالتسامح كمبدأ عربي إسلامي وطني، حتى أصبحت الإمارات اليوم تضم أكثر من مائتي جنسية، مختلفين إثنياً وثقافياً وفكرياً، ولعل الإمارات من الدول القليلة جداً التي تجد ضمن تشكيلتها الوزارية، وزيراً للتسامح، وجاءت مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتعزز من قيمة التسامح، وتسمو بفكره الذي
يجب أن يسود المجتمعات، ولتعزز من مكانة الإمارات كواحدة من الدول التي تعلي راية التسامح وتطبقه على أرضها، فإنشاء معهد للتسامح، وجائزة للتسامح، إنما هي لبنات لصرح إنساني وأخلاقي عظيم.
ولنا في رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم قدوة، فهو أعظم دعاة الإصلاح والتسامح، وقد طبق ذلك في حياته، وأثناء قيادته للدولة الإسلامية الجديدة، وتوفي وكان شريكاً ليهودي، وكان جاره في المدينة يهودياً، وقد أمر خلفاءه بهذه القيم، فتمسكوا بها، ولعلها كانت ظاهرة إبان حكم الخليفة أبي بكر، حينما أوصى قادة الفتح بتلك الوصية الإنسانية العظيمة، وأثناء حكم الخليفة العادل عمر بن الخطاب، وحرصه على الأخوة الإسلامية والمسيحية، سواء أثناء فتح بيت المقدس، وتعامله مع الكنائس وأهلها أو حينما أمر بأن يدفع بيت المال راتباً تقاعدياً ليهودي، رأه كبيراً عاجزاً، فقال: أخذنا منك الجزية وأنت شاب، فالأولى أن نتكفل بك وأنت عاجز!