تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2-

تذكرة.. وحقيبة سفر -2-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

المدن الجميلة هي التي لا تجعلك تمر هكذا لوحدك، دون أن تحمّلك وزر خطايا الحب، وما هامت به روحك، ضريبة الصدق مع الأصدقاء، أو ممن كنت تعدّهم منهم، مدن لها شيء من الغواية، والهمس الصامت في أذنيك، لكي لا تودعها كما دخلتها خفيفاً، أقلها أن ترمي على أكتافك ثقل التذّكر خلال سنوات العمر، وما مر فيها من أطياف نساء من وقت، وأشباح أصدقاء من وقت، لعلك اليوم برئت منهم، وحدها ظلالهم تأتي مع الغبش، ولا يأتون معها:
- الصديق الذي جاء يعتذر عما بدر، كامرأة أغوت بحّاراً، ولم تستطع ركوب البحر، وما عادت تتسع لها يابسة الزوج، ولا مفر، جاء وركبتاه تتصافقان من الخفر، متذكراً أنه لا وقف معه مظلوماً، ولا نصر، ولا تذكر أن يعينه حين كان ناصراً، ولا حتى شكر، جاء يختضل وأصابع كفه النحيلة الطويلة ترتجف، وكلمات التعلل كانت من سقر، فقال له: لا بكتك العين، ولا تساوي النظر!
- صديق محطات التوقف، والنزول على عجل، صديق ما أطمعتني، وصديق الشبع، يئن للشفقة، ويئن لمد اليد، تسترخص الثقافة حين لا ترفع الهامة، وتسترخص الرجولة حين لا تنفع الرجل، صديق المحطات والنزول على عجل، لم يقنع من المحطات، ولم يشبع من النزول، ولم يرتق، ولا صعد، ضاعت سنواته من اللهاث، ولم يبق في وجهه إلا رماد من مروا عليه عجلين، لم يرتضوا محطاته، ولا رضوا بسقطاته، ولا ما أرتكب عن عمد!
- صديقة الجنون، صديقة النزق والأرق والقلق، صديقة مرحباً، ولا تسأل عن أحد، كانت تريد أن تقبض على الأشياء حين تتراءى لها الأشياء أقرب من مد البصر، فتطير بخفتها تابعة أي ريح غادية أو نَفّة مطر، كانت لو تبعت طُهر نفسها، ولم تطارد سُحب جنونها، ورَزّت في الأرض قدماً أو قيد وتد، لكانت اليوم تحوم حول حديقتها، تراقص عصافيرها، وتقطف الريحان والياسمين، وتشكّ الورد في العُقد، لكن زلتها أنها في مفاصل الحياة لا تبصر، ولا تصبر، ولا تجيد حتى النظر!
- كانت يمكن أن تكون لها كل المدن مرافئ، وكل أمكنتها وأوردتها سبيلاً جارياً لها وحدها، كان يمكن أن يكون الليل نديماً ولِهاً لها، والنهار مستباحاً لها، وِلِعاً بها، وكان يمكن أن تزهو حين تبتل المدن بمطر آخر الليل، وأول ندى العشق، وكان يمكن أن تستظل بظليل صيف الشجر، ذاك الذي يشبه حضن الجدات، حينما نرتمي فيه بتعبنا، ودمع الضجر، كان يمكن أن تخبئها المقاهي والمطاعم، وثرثرات الأصدقاء عن رياح الخريف، وصفير أوراقه المُصفَرّة الهاربة، كان يمكن لدفء الضلوع أن يكون درعاً عن شتاءات قاسية، كان لها أن تزهر في الربيع مع زهر الليمون، وتفتح النوّار، وتصطبغ بنور الشمس حين توزع الذهب في خجل طلوعها، غير أنها طلبت الغفران، وذهبت بكل أشيائها إلى لا مكان!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 11:16 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

صلاح محسن يشعر بالسعادة لارتدائه الفانيلة الحمراء

GMT 11:56 2015 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات بتراجع أعداد الدب القطبي بنسبة 30% بسبب تقلص الجليد

GMT 23:53 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

أحواض السمك تجلب الهدوء وتضفي جمالًا على حديقتك

GMT 17:42 2013 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

الاحتفال بذكرى رحيل عمار الشريعى بإذاعة الشرق الأوسط

GMT 04:41 2015 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

الربيع يحل قبل 3 أسابيع في الولايات المتحدة الأميركية

GMT 23:42 2013 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

"شل" تتراجع عن بناء محطة لتحويل الغاز إلى سوائل

GMT 16:03 2012 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

5 بنوك تمول إقامة محطة كهرباء في السويس

GMT 16:42 2012 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

الفودكا" تنقذ فيلتين من صقيع روسيا

GMT 03:05 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تجهز منشأة لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض

GMT 03:59 2013 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

اكتشاف فصائل جديدة من النبات والعناكب بماليزيا

GMT 22:05 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

حقيقة انفصال كارول سماحة عن زوجها وليد مصطفى

GMT 08:02 2012 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

"بورشة" الألمانية تتوقع نمو مبيعاتها في 2013
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates