بقلم : ناصر الظاهري
علينا أن نقرّ أن الفوضى في سوق الإعلام، وتدهور حاله، وحال القيمين عليه، ودخوله في منزلق تاريخي خطير، يجعل المهنة وشرفها في خطر حقيقي، وهذه الحال ليست موجودة في أميركا، ولا في أوروبا، وإنما هي ديدن الإعلام العربي، والشرق أوسطي، يمكن أن نستثني دولاً، للحال الديمقراطي، والثبات الاقتصادي، خاصة بعد هزيمة الإعلام الرسمي، وتحطم صنمه الورقي، وانهيار جداره الأيدلوجي الغوغائي، والمتحزب، والشمولي، والدعائي، اليوم لا يمكن للإعلام الرسمي أن يعود، وإنْ عاد لم يعد أحد يصدّقه، وظهر هذا الانهيار للإعلام الرسمي في ارتباكه بالتعاطي مع الأحداث التي تجري، والتي لم يتوقعها، كان التلفزيون السوري الرسمي، وحينما كانت تدّك بغداد، يعرض أفلاماً تسجيلية عن آثار تدمر، وفي بداية انطلاق الثورة السورية، كانت نشرة الأخبار الرئيسة تستعرض الأحوال الجوية، وهبوب الرياح في المناطق الساحلية، أكثر مما يجري من تفجيرات ومظاهرات، والتلفزيون والصحافة المصرية التي كانت قبل يوم، تمجّد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وتبالغ بمآثره، وتركّب صوراً غير حقيقية، وهو يتقدم الرئيس الأميركي، ورؤساء دول العالم في اجتماع اقتصادي، وتظهره في افتتاح الجسور، أكبر من الجسر نفسه، في اليوم التالي من تحرك الشعب المصري عليه، عجزت عن أن تنطق، ومبنى «ماسبيرو» شلّ عن بكرة أبيه الذين يربون على الآلاف، والتلفزيون الرسمي ارتهن لستديو تابع للدولة، وقس على ذلك في بلدان أخرى.
أما الإعلام الخاص، فيشك في ولائه، ويشك في توجهه، ولا يعدم أن يكون ممولاً من أصحاب الأجندات الخارجية، ذات المصالح الشخصية؛ لذا لا يمكن أن تناط به مهمة العمل الوطني لوحده، خاصة أن اللاعبين في الساحة السياسية من مختلف المشارب والتوجهات، ويملكون المال الذي ينقصه، وينقص برامجه، وانتشاره، وتأثيره، ويمكن أن يستعاض عنه بأقل البدائل، وأرخصها، فالسوق مشاع، وبخمسين ألف دولار يمكنك أن تستأجر قناة، وتبث، ومن هنا ظهرت القنوات التي تعتمد على «الشيف خاطري» في تحليل الأوضاع السياسية التي تمر بها المنطقة، ويمكن أن تأتي «ندّاهة»، وتستعرض إنجازات «حزب الله» في القتال في سوريا، مثلما يأتي شخص ملتح، ويفسر لك الأحلام، وينّعت لك أدوية شعبية من السنة النبوية، وينتقد برنامج الحكومة، وخطتها الخمسية في زراعة الحنطة، مثلما ظهر المعلم «قرن الغزال»، ولا ندري مهنته، مع المذيعة «كايداهم» وسبّا البحرين ومصر، من خلال مطبخهما، ووسط أوانيهما، ويمكن للحجّام، والعطّار أن يفتياك بأهمية النفط الحجري، وتذبذب أسعار السوق، ووصول «ترامب» البيت الأبيض!