بقلم - ناصر الظاهري
ليس مثل قبرص بلد، تحتار في تسميته، هل هو بلد أو بلدان منقسمان أو جزيرة استوطنت قبل الميلاد بآلاف السنين أو مدينة عائمة للعابرين على مر السنين في شرق المتوسط، لكن الحقيقة السياسية المُرّة تختلف عن الحقيقة التاريخية التي ظلت محل صراع، وحروب أهلية، لتؤكد أن البلد منقسم إلى شقين، رغم أن علمه هو الوحيد في العالم الذي يحمل خريطة البلد كاملة، دون ذكر شمالي تركي، وجنوبي يوناني، وهو بلد كثيراً ما كنت أتخطاه إلى سواه، كان يشعرني دائماً أنه مكان للعبور أكثر منه للمكوث، ولم يكن محفزاً للزيارة، فهناك ثَمّ أصل له في أمكنة أخرى، حيث اليونان، وحيث تركيا، وأمر آخر، كما هي المخيلة الانطباعية، أو الصورة النمطية، أن الشمال أكثر تطوراً، وأكثر تمدناً، وله من الجمال الكثير، في حين الجنوب أكثر بؤساً، وتخلفاً، وله من الفقر والبشاعة ما يكفيه، فهل قبرص تقلب تلك المعادلة غير العادلة دائماً، فيظهر الجانب اليوناني أكثر إشراقاً، وإن احتل الجنوب، ويظهر الجانب التركي أقل تمدناً، وإن احتل الشمال، بقي السؤال حائراً، حتى حطّت الطائرة مرة بي في مطار لارنكا، وهذه المرة حقيقة، لأني قبلها كنت عاقدا نية السفر لقبرص من بيروت، لكن الرحلة ألغيت من مطار بيروت، لأن أحدنا، والذي كان يحمل «فيزا شيغن»، لم يدخل بها بلداً في الاتحاد الأوروبي مسبقاً، وهذا شرط القبارصة لدخول بلدهم دون «فيزتهم»، فحرمنا، وعدنا بحقائبنا، وخسرنا حجوزاتنا في الفندق، لكن كان التضامن وقتها واجباً علينا، فـ «الكل من أجل الواحد، والواحد من أجل الجميع»، ذلك هو شعار «الفرسان الثلاثة» الذين عادوا ليلتها خائبين، وفرحين ببيروت من جديد.
وحينما تزور بلداً لأول مرة، تحاول أن تتخيل مدنه المشهورة، وترسم لها صوراً مستجلبة من الذاكرة، مدن قبرص كنت أتخيلها مرة مثل «صقلية»، مثل «بيروت» مثل «أثينا» مثل الجانب الغربي من «اسطنبول»، وهي كذلك، حيث تنعدم الخصوصية في مدنها، ولا تعطيك شيئاً من التميز، والفرادة، لتقول: هنا.. رائحة قبرص! مدنها المشهورة مثل: لارنكا، وليماسول، وبافوس، تقع في الجانب اليوناني، عدا العاصمة نيقوسيا التي تشطر لجانبين، وأجمل ما فيها شواطئها الخالدة.
جزيرة قبرص التي تشبه سمكة «اللخمة»، والتي استمدت اسمها من «النحاس»
(Cooper Cuprum -- Kypros)، ثالثة جزر البحر الأبيض المتوسط حجماً، بعد جزيرتي إيطاليا «صقلية، وسردينيا»، مساحتها «9250» كيلو مترا مربعا، غالبية سكانها مسيحيون «أرثوذكس»، ويبلغون حوالي 73 في المئة، لذا الكنيسة تسيطر على أهم بنك في البلد، ويبلغ عدد المسلمين 25 في المئة، والبقية طوائف أخرى.. وغداً نكمل.