بقلم : ناصر الظاهري
في مكان يغشاه الجميع وقت التعب والألم، مكان مثل المستشفى لا يزال برائحة النشادر والمطهرات نفسها، مازال يجلب للكثير الضيق والغثيان ومشاهد لباس البياض التي يوحي بها الكفن البارد، وأقلها عدم الراحة، والتنفس بعمق حين تهم بالخروج من بوابته الزجاجية التي لا تعرف الشفقة، في مكان مثل ذاك، يمكنك أن تقرأ وجوه الناس، وأماكنها، دون أن يتحدث كل بلغته،
يمكنك أن تستشف منهم تصرفاتهم، وطبيعتهم الإنسانية من خلال التعامل مع ملاصقهم في المقعد المريض، ومن خلال الحديث العام مع الزائر أو ببساطة ملاطفة طفل جفل من معدات المستشفى اللامعة، الأميركي يظهر حاله بعد دقائق، فإنْ كانت عجوزاً ظهر الود والنصح المجاني والتعاطف مع المريض الآخر، ولو كانت هي تشكو أكثر منه، وتتوجع بصمت،
والأوروبي سيتجاوب ولكن بعد مدة أطول، نتيجة طبيعته المحافظة، وسيبدي لك ضيقه من رؤية طفل مريض، ولا يعرف عن مرضه، وربما دخل بينه وبين نفسه في جدل كوني، لم الملائكة الصغار يتألمون؟ جماعة أميركا اللاتينية ذوو الود والمحبة الجيّاشة، «لا تشكو لي، لأبكي لك»، سيعمد الصليب على صدره أكثر من مرة، وسيذكر السيدة العذراء مرات، وسيظهر
لك قريباً له يعاني من المرض نفسه، ويعرف آخر تشافى ببركة «أبونا»، وتردده على قداس الآحاد، وقد يرافقك إلى الباب أو يعاونك في حمل ثقلك، وربما أخذ هاتفك فقط ليطمئن عليك، أما الشعوب الأقصى آسيوية، فهؤلاء، ما لهم دخل في أحد، يريد أن يصرف أدويته، وينصرف على عجل، ربما لا يريد أن يعرف أمراض الآخرين، لأنها مصدر قلق لشخصيته، ويريد لحيز ذاكرته أشياء بعيدة عن أمور الآخرين والمستشفيات، الحس الإنساني لديهم مصدر شهقة، وتعجب، ووضع اليد على الفم، ثم يمضي إلى عمله، وينسى، أما جماعتنا العربان، ففي وسط معمعة المستشفى، قد يفتح لك مشروعاً وهمياً، يريد أن يكسب منه قرشين أو ربما يزيد من أمراضك مرضاً حار الأطباء فيه، وإنْ وجد منك التعاطف، وقرأ في عينك التأسف على حالته، سيحولها مباشرة إلى مشروع شفقة ثم التلميح للمساعدة والإحسان، ثم ما يلبث أن يصبح مشروع شحاذة، وقد يعبر به المياه الإقليمية، فخالته تعاني من وقت، وعمته أرملة الشهيد، بعيد عنك، جاءها ذاك المرض بعد انقطاع الطمث، وكذلك يعرف قرية بحاجة لبناء مسجد، يمضي الوقت فلا تدري هل سلّاك ذلك العربي، أم زاد حزنك أحزاناً؟
.. وغداً نكمل