عاش طيباًً ورحل بخيره

عاش طيباًً ورحل بخيره

عاش طيباًً ورحل بخيره

 صوت الإمارات -

عاش طيباًً ورحل بخيره

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

لا شيء جميلاً يسري في البدن عافية ويملأه حبوراً، متتبعاً نسق الروح كفعل خير لا تنتظر منه غير فرحة تدغدغ الصدر، وسعادة تستقر عند الطرف الآخر، وقد يكون لا يعرفك، ولا أنت تعرفه، ولا تنتظر منه كلمة الشكر، هكذا هو سر الخير، دائماً ما يقرن بالسماء، وما تغدق من بشائر وهبات، وما تنبت الأرض من خيرات، وما يجعل الإنسان يرفرف وحده بأجنحة لا تحدها المسافات، فقط لأنه صنع خيراً ولم يتذكره، صنع فرحة، ولم يتبعها أذى، صنع سعادة كبيرة بفعل صغير، وزائد عن حاجته، لكنه كعصفور من الجنة أتى حاضراً بنسائمها، فكفكف دمعة، وأثلج صدراً، وشرّع آفاقاً للذين قلوبهم ضاقت، وعيونهم كاد أن يكسرها الضعف، هكذا عرفت العين وأهلها المرحوم «أحمد بن محمود» رجل خير، وروح طيبة، ويخدم الجميع، رجل من زمن جميل، ولعله آخر الراحلين، فلم يعد من رجال ذلك الوقت إلا القليل، وهم اليوم في خريف أعمارهم، لكنهم يظلون مثلما تُظل البركة الأمكنة، ومثلما يبقى الخير يحرس الحياة.
عرفت المرحوم «أحمد المحمود» صغيراً، حينما كان يعمل مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» في قصر العين، وظلت صورته باقية لا تكبر في الرأس، رغم أننا كبرنا، ومرات كان يتراءى لي وهو يغدو بسيارته ماراً بجانب بيوت الأهالي بعقاله المفتول، أما ذكره عند الناس، فكان لا ينقطع، لأنه كان همزة وصل بين الأهالي، وبين المغفور له الشيخ زايد، فيما يخصهم، وفيما يواجهون، وفي كثير من شؤونهم، إذ كان يقصده الجميع، وفي كل الأوقات، ولا يكتفي فقط بالعين، وإنما للمناطق المجاورة، فسمعته تسبقه، وصدقه وأمانته يتبعان خطوه.
ولعل مما أذكر من مواقفه، حينما التقى بأبي بعد سنوات من حادثة بسيطة جرت لهما في بداية الستينيات، وهما يتضاحكان عليها الآن، حيث في بداية الستينيات لم تكن هناك شوارع مسفلتة في العين، لأن السيارات التي فيها قليلة جداً، والذين يسوقون سيارات يعدون على الأصابع، ولم تكن هناك رخص للسواقة أصلاً، ولا تأمين على السيارات، ولا رخصة للسيارة المملوكة، ولا تعليم محترف على السياقة، «شوابنا» وسواقتهم لولا «الجيبات» الأوليّة، وإلا لا سيارة تتحمل سياقتهم، لأنهم تعلموا بأنفسهم، كانت الدنيا بسيطة، والحياة فضاء مفتوح، وتصادف في نهار كان أبي يسوق سيارته «الجيب لاند روفر»، و«أحمد بن محمود» يسوق سيارته «الصالون» الأميركي الطويل، وكانا كلاهما ذاهبين إلى قصر الشيخ زايد حيث يعملان، وفي تلك الطريق الخالية، والواسعة وقبل أن يصلا القصر بأمتار، تصادمت السيارتان، وكانا لوحدهما في تلك الطريق غير المعبدة، فحدثت أضرار بسيطة بالسيارتين، ودخلا على الشيخ زايد كل واحد يشكو ربيعه أنه هو الذي كان الغلطان، ولم ير سيارة الآخر، فاعتقد الشيخ زايد «رحمه الله» أنهما تصادما في سوق العين المكتظ، وحين أخبراه أن الحادث وقع قبل «ليوان دروازة القصر»، ضحك الشيخ زايد، وقال لهما: والله قصرتو، لو تداعمتو داخل الليوان أحسن لكم «وطلب منهما كل واحد يصلح سيارة «خويّه»، فقال أبي: طال عمرك أنا سيارتي جيب ما يعول، وأقدر بروحي أحدده، بس سيارة بن محمود من الغاليات، وأنا ما اروم أصلحها، إلا إذا صلحتها وبادلني بالجيب، فاله طيب.. وطاحت الحِيّه»!
رحم الله الجميع، ورحم وقتهم الطيب، ووطرهم الذي مضى، فقد كانوا زينة المكان، وعطر العين، وإن رحيل أي منهم يدمي القلب، ويعطب الذاكرة، فقد عاشوا طيبين.. ورحلوا بخيرهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاش طيباًً ورحل بخيره عاش طيباًً ورحل بخيره



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates