تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2-

تذكرة.. وحقيبة سفر -2-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

وجوه جلبتها أيام عَمّان في تلك السنة، حرّكت شيئاً من ثوابت النفس، وبُعدها عن كل ما يمكن أن يؤذيها، وليس أكثر من أذى أن ترى بعضاً من أصدقائك يهرمون في ملابسهم القديمة، ويتوجعون في مدن غير مدنهم الحانية، وجوه رأيتها في العمر الجديد، وعمر الأمراض المقترحة، ووساوس لا يجلبها الشيطان وحده، وجوه يشعرك بعضها بقرب وداع قريب، أو دخول في حالة من اليتم الخريفي، باتجاه أسئلة صامتة مغلقة، ومقلقة للنفس، ولا يودون أن تصحبهم في سباتهم الأبدي، وجوه.. حينها أربكت خطاي، بعضها عرفته من سيماء زهو قديم، وملامح لها حضورها، بعضها بقيت مختفية وراء أسمائها التي ظلت تكبر لوحدها، لا أقول لكم إنني دخلت في حالة من اليباس، وغيوم الكآبة، لأنني لم أكن أعتقد أن الجسد الإنساني يمكن أن يذوي ويذهب في جفاف العدم، أو يمكن أن ترى صديقاً، وكأنك لم تره يوماً أو أنه أصبح اليوم يشبه جاره الذي لا تعرفه.
تغير الوجوه قد يجلب معه تغير القناعات، وتغير الأفكار، وتغير النظرة للحياة، خاصة حين لا يقف أحد من الخيرين مع أولئك الذين يحترقون كل يوم ولحظة بالكلمات، وتنوء كواهلهم بأثقال من قيم وأخلاق وأشياء تحفظ للحياة توازنها أو لا تعرفهم الحكومات الجديدة، أو تضيع الأمور بدمج المؤسسات الثقافية التي أخلصوا لها مع الجمعيات الاستهلاكية التي لا تود التعرف عليهم أو حين يغيب بُعد النظر، ويعامل الأديب والكاتب والفنان، وكأنه عامل في محطة بترول على الطرق الخارجية، بالإمكان الاستغناء عنه حين انتفاء الحاجة، وحين يئن من وجع المفاصل أو تزلزل صدره الأوجاع المبكرة، أو يعيش المنفى في وطنه الذي لا أحد يحبه أكثر منه.
وجوه كانت في عَمّان وفي مدن أخرى، كانت تحفظ لهم شيئاً من الود، وشيئاً من التبجيل، وهم لا يتشرطون، قامات كسرها الزمن والعمر الذاهب في عجلته الجامحة، كانت حينها كمن تحضر كفنها، منتظرة طقس الحنوط والكافور، الشاعران العراقيان الكبيران «عبد الوهاب البياتي»، و«محمد مهدي الجواهري»، والقاص العراقي «عبد الستار ناصر»، والقاص الأردني «خليل قنديل»، والكاتب الأردني «فخري قعوار» والروائي المغربي «محمد شكري»، والكاتب المصري «لطفي الخولي» والكاتبان التونسيان «العروسي المطوي» و«الميداني بن صالح» والشاعر البحريني «علي الشرقاوي» والشاعر الفلسطيني «سميح القاسم»، والكاتب والناشر «رياض نجيب الريس»، وغيرهم.
كثير من تلك الوجوه كانت مصرّة على الحياة والمتع المجبولة عليها، كانت ما تزال تغني للأشياء الملونة فيها، وما زالت تعتقد أن الكلمة هي أشرف المهن، وأن القلم أُنزل بسر من أسرار السماء، إلا أن أمراً ما قد حدث، وأن خطباً ما قد عصف بالمعتقدات، وأن كهف الحياة يبدو من بعيد غير مقمر، وأن الظلام يمكن أن يدثر الحياة بسواد مبكر، لكن.. ولأنهم قامات لا ترفع الراية البيضاء، ظلوا يقولون: لا.. لا.. نعم للحياة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 11:16 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

صلاح محسن يشعر بالسعادة لارتدائه الفانيلة الحمراء

GMT 11:56 2015 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات بتراجع أعداد الدب القطبي بنسبة 30% بسبب تقلص الجليد

GMT 23:53 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

أحواض السمك تجلب الهدوء وتضفي جمالًا على حديقتك

GMT 17:42 2013 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

الاحتفال بذكرى رحيل عمار الشريعى بإذاعة الشرق الأوسط

GMT 04:41 2015 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

الربيع يحل قبل 3 أسابيع في الولايات المتحدة الأميركية

GMT 23:42 2013 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

"شل" تتراجع عن بناء محطة لتحويل الغاز إلى سوائل

GMT 16:03 2012 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

5 بنوك تمول إقامة محطة كهرباء في السويس

GMT 16:42 2012 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

الفودكا" تنقذ فيلتين من صقيع روسيا

GMT 03:05 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تجهز منشأة لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض

GMT 03:59 2013 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

اكتشاف فصائل جديدة من النبات والعناكب بماليزيا

GMT 22:05 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

حقيقة انفصال كارول سماحة عن زوجها وليد مصطفى

GMT 08:02 2012 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

"بورشة" الألمانية تتوقع نمو مبيعاتها في 2013
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates