بقلم - ناصر الظاهري
«ها.. نقول هانت، وبيطلقون رؤوسنا أخيراً، وإلا نصبر شهر حتى يتعدل «بروتوكول» السفر إن كان صحيحاً ومدروساً أم هو من الإشاعات ومدسوس، ولا بأس إن تريثنا الشهر الذي يليه احتياطاً لأي موجات وبائية ثانية أو ارتدادات لفيروس ظل مجهول الأصل، بدؤوا بنسبته إلى الخفاش، ثم آكل النمل الحرشفي أو البنغول أو أم قرفة، وحيوان المنك، وانتهوا هذه الأيام بالتونة والسلمون، بعدها نشد الرحال، ونطوي المسافات، لأن حقيبة المسافر دوماً خوت إلا من رؤوس أقلام سطرناها على عجل في سفرات مختلفة، واليوم نجترّها، علها تذكرنا بالتذكرة القديمة التي نسينا شكلها، وحقيبة السفر التي بقيت منبوذة مثل «عَقّة الحابول في وقت الشتاء»»:
* الناس الطيبون لا يتركون عاداتهم الطيبة، ووصلهم الكريم، ومحاولة إدخال السعادة لقلبك، ولو من شق صغير، منهم من تعود أن يرسل لك مخرافة رطب، وعليها فوعة سمّنْ، ويوسدها بكم «همباه»، ويرسلها مثل تباشير الصيف الجميل، حينما تكون في سياحة داخل الوطن، وهناك من تعود أن يصلك بـ«مقفلة جامي وعليها خلاصة وفوقها سَمِنّ الدار، ومعها مرضام خبز رقاق بُرّ»، وتصلك ولو كنت في ربوع سويسرا، -يحافظ عليهن ذيج الأولويات، أم برقع- وهناك «الشيخ حمدان بن مبارك» من عوّدك على سفرات لا تخطر على بال، ودائماً تأتي في وقتها وحاجتها، تسافر لا سائل ولا مسؤول، مرة في بحر، ومرة في بر، سفرات تتعب فيها من الراحة، «أبو مبارك» الذي رق لحالك، ورأف بمآلك، وكيف غدوت ذاوياً في الحجر، أنت الذي تقول إن سرّه مقطوع هناك في العالي، ابتكر لأصدقائه من باب «العوض ولا الجميحة» كل أسبوع أكلات بلد فاخرة، بثماره وزيته وزيتونه، بحيث نشعر أننا هذا الأسبوع في الريفييرا الفرنسية، ومرة بالقرب من جزيرة «كابري» الإيطالية، ومرة على تخوم بحر اليونان، ومرة هناك في «فالنسيا» الإسبانية، حيث رسا اليخت «أبوظبي H 5» مغازلاً الغروب.
* عجيبون شعوب جنوب وشرق آسيا بعد وجبة الغداء، تراهم وهم ما يزالون على طاولات طعامهم، واللقمة في الفم، والعين تدمع، ويتهامل ماؤها البارد، تستدعي حلماً بفراش تسكنه البرودة، ومخدة رطبة من ليونتها، وتجد الواحد منهم بعد تلك الوجبة المخاطية، وقد افتر ثغره عن تلك الابتسامة الماكرة التي يجلبها نوم القايلة، لذا لا عجب أن تراهم في بلدانهم وهم معلقون في الشجر أو تحت الجسور بتلك المنامة التي تشبه شاطوحة الأطفال، أما عندنا فيكتفون بذلك التثاؤب المستمر، والذي يشبه تثاؤب أسد بعد طرح طريدته في بطنه، خاصة إذا ما كان المكيف يضرب باتجاهه وحده، ويلامس رقبته المتعرقة قليلاً، «والله ساعتها لو أنك ابن عمه خليص، ونصيته، وانتخيته، ما ثابك».. وغداً نكمل.