بقلم : ناصر الظاهري
الإنسان أحياناً لا يعرف أقاصي الإخلاص، ومدى عمقه، وما هو سقفه؟ أقول هذا، بعد أن قرأت قبل شهر عن إعدام نائب رئيس الوزراء في كوريا الشمالية، والأخبار التي تظهر للعالم من هناك، إما متأخرة أشهراً نتيجة السور الحديدي، ولا إعلام غير الحكومي، وإما أحياناً مفبركة على الطريقة الأميركية التي لا تعرف كيف تتعامل مع هذه الشوكة المزعجة في خاصرة سياساتها الخاسرة، وإما هي حقيقية، لأن بيونج يانج تعيش الرعب وتصدره للعالم لكي لا يقترب أحد منها. إعدام ذلك النائب قد لا يكون أمراً جديداً على كوريا الشمالية، لكنه أحزنني شخصياً، ولا أزيد عليكم إذا ما قلت لكم: إنه يلّح عليّ بشكل يومي للكتابة عنه، لأنه «ما يستاهل تلك الخاتمة»، كما نقول أو كما تقول النساء عندنا: «غميضة.. ما يستاهل، راح جميحة».
في كوريا الشمالية أن تصل لنائب رئيس الوزراء، يحتاج منك أن تكون موالياً ومنتمياً وطائعاً دون مناقشة سنوات طويلة من عمرك، وهكذا تخيل إليّ هذا العجوز الذي بلغ الثانية والسبعين، وما زال يعطي من أجل الرئيس ثم كوريا منذ نعومة أظفاره، فقد انخرط حزبياً وتدرج كشبل ثم طلائع ثم شبيبة حتى غدا عضواً متدرباً ثم عاملاً في اتحاد الطلبة أو الجمعيات ثم «كادراً» حزبياً مسؤولاً عن منطقة نائية إلى أن أكدت العاصمة ولاءه التام، والتزامه الحزبي، وأنه محصن ضد الإمبريالية والانفتاح على الغرب، وعدو حقيقي لكوريا الجنوبية حتى تعود لحظيرة الاتحاد الكوري، طبعاً اشتغل في الجيش، وحارب على التخوم والثغور، وأُرسِل في مهمات سرية، واقتضت الحال أن يستعمل السلاح أكثر من مرة في تصفية الخصوم السياسيين أو من يسميهم الحزب «أعداء الأمة»، لكن كل تلك التضحيات الجمة التي لا نعرف أكثرها، لم تشفع له حينما غفت عينه لدقائق، وأغمضا جفناه بفعل سِنة من النوم أجبرته عليها الشيخوخة، والفطور المبكر ذلك اليوم، والنوم المتقطع نتيجة التحفز لخطاب الرئيس القائد المنتظر، والذي ربما ظل يشاهد «ميكي ماوس» لوقت متأخر، وليس مراجعة الخطاب الموجه للأمة، فالرئيس من المعجبين بكل لعب وبرامج الأطفال الأميركية، كأي طفل سمين لا يحب أن يكبر.
نام النائب، والنوم سلطان، لكن في حضرة خطاب القائد، يعني تهمة عدم الاحترام، وربما الخيانة العظمى، وهذه ثمنها الإعدام، يقال: لمحته عينا القائد أو أخبرته عيونه وهي كثيرة، فقال القائد: ما دام أغمض عينيه، فليغمضهما للأبد!