بقلم - ناصر الظاهري
- ليس أصعب من الحزن الجماعي، وحزن المدن، وأحزان المكان على فقد عزيز، تشعر فجأة أن صهداً يكتم على صدر المدينة، وثمة غياب وفَقد ويُتم أصاب الناس دون أن يدروا، وحده المطر.. يمكن أن ينتشل الأمكنة من أحزانها، ويعيد للناس ديناميكية حركة الشهيق والزفير بتلك الراحة التي يعرفونها، وكأن الأرض تنفست بعمق فجأة، وأن السماء دنت بظلها ونورها، اللهم صَبّر الشيخ سلطان على فقده، وعضّده بإيمانك، وبِآي الصبر، وإنّا إليه راجعون.
- الشعراء أنواع: هناك شاعر سريع الاشتعال، وشاعر قابل للكسر، وشاعر مفلتر، وشاعر أبو حيلة وفتيلة، وشاعر من حطب وعطب، وشاعر من سيربح المليون، وشاعر أبو ساعة ألماس دقاقة، وشاعر المائدة المستديرة، وشاعر شعاره وأشعاره كلها خريط في خريط، ولا قبض الريح، وشاعر من قوم ترّنا، وين دار الهواء والهوى درّنا، وشاعر حسب الطلب، وشاعر «دليفري»، وشاعر مش شاعر بما يدور حولنا، وشاعر خدمة «مميزة»، بصراحة.. تعدد الشعراء والشعر غير واحد!
- هناك شخصيات يمكن أن نسميهم «من دون» أو شخصيات كونية أو «كوزموبوليتانية»، لا تستطيع أن تعرفهم من أي بلد، وإن عرفتهم، فلا تحب أن تربطهم ببلد، هكذا هم شخصيات استثنائية، عابرون للقارات، هم متواجدون عبر التاريخ، وبمرور التاريخ، شكسبير إن حصرته بالإنجليز فهذا ظلم له، ولأدبه، تشعر أنه ملك للإنسانية، ومن كثرة ما يشعرك أنه تابع للأرض قاطبة، عَدّه البعض شخصية أسطورية، وليست حقيقية، والبعض حجّموه، وقالوا إنه «فرنسيس بيكون»، المتنبي هذا الشاعر المنفوخ باللغة الذي جعل الدهر لشعره منشداً، لا تستطيع أن تلصقه ببلد معين، وتحصره بين البصرة والكوفة وبغداد، النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي عاش وأسس وبنى في أربعة بلدان، لا يمكن أن نقول عنه إنه من العراق فقط، أحمد شوقي الذي تقاسمت دمه خمسة بلدان، أمير شعراء العربية الذي يجيد نظمها ولا يحسن نطقها، لا يمكن أن نلصقه بمصر أو ببلد واحد، تشعر له هيبة جغرافية ممتدة إلى أكثر من بلد، عبد الباسط عبد الصمد هذا الصوت الإنساني الجميل، لا يمكن أن ترده مع صلاح الدين الأيوبي إلى كردستان، وتحصرهما هناك في تلك الجبال المعممة بالخضرة والأشجار، وهما من طفقا الآفاق، واحد بخيله وسلطانه، وواحد بصوته السماوي، محمد علي الكبير باني النهضة العربية الجديدة، ومنشئ مصر الجديدة، لا يجدر بنا أن نرده إلى ألبانيا البلد الصغير والفقير ونصف الأمي، جمال الدين الأفغاني هذا الذي ذرع الشرق والغرب وخبر السياسة والتاريخ والثقافة واللغات، هل يجدر أن نرجعه إلى جبال قندهار ونكتفي؟ وشاعر العربية الفحل ابن الرومي أيعقل أن يكون من اليونان؟ وغيرهم الكثير الكثير، ولأنهم شخصيات تتخطى الحدود، وتصبح من حق الجميع، لذلك نتمنى أن يكونوا دوماً «من دون»، ذلك هو جواز سفرهم!